جمعيات ومنظماتسلايد 1

بلاد «الهان» كما لم نعرفها من قبل

لم يكن مكمن مفاجأة العشرات من الاعلاميين الذين حضروا «المؤتمر العالمي للصحافيين» في كوريا الجنوبية، مدى التطور الذي تعيشه البلاد ويلحظه المرء منذ لحظة وصوله المطار.

فهذا أمر متوقع بالنظر الى رابع أكبر الاقتصادات العالمية.

ولا تشكل صناعة السيارات والهواتف الذكية والالكترونيات والسفن الا جزءا يسيرا جدا من هذا الجانب.

لكن المفاجأة كانت في الأوجه الأخرى لهذه الحضارة، التي تنسب احيانا إلى نهر «هان» الكبير شريان العاصمة، وتتكشف تباعا كلما قضى الزائر لها المزيد من الوقت.

اذ تكتشف أنك في حضرة امة تمتلك من المقومات الطبيعية والتاريخية والثقافية ما يؤهلها لتكون وجهة سياحية مهمة تنازع كبرى المقاصد السياحية في المنطقة.

الأولمبياد.. رهان كوريا على المستقبل

أول محطات الجولة الاطلاعية للمشاركين في «المؤتمر العالمي للصحافيين 2017» خارج العاصمة سيؤول، كانت الى مدينة بيونغ تشانغ، حيث تراهن كوريا بأسرها وأهل هذه المقاطعة على وجه الخصوص نجاحهم في احتضان الألعاب الأولمبية الشتوية 2018. وكذلك الألعاب البارالمبية.

وهي المرة الأولى التي تقام فيها هذه الاحتفالية الرياضية في آسيا وخارج اليابان التي استضافتها لمرتين سابقتين.

وقد تفوقت بيوغ تشانغ على مدن عريقة مثل ميونيخ الألمانية ونيس الفرنسية، وانتزعت ومن الدورة الأولى للتصويت، الترشيح لهذا الحدث الرياضي الضخم.

ويقام الأولمبياد الشتوي في مدينة غان يونغ الرياضية خلال الفترة من 9-25 فبراير المقبل يليه بشهر الأولمبياد الخاص للمعاقين ما بين 9-18 مارس.

وبعد جولة على المدينة الرياضية «غانغ يونغ» التي يجري العمل فيها على قدم وساق، وجولة أخرى على المعالم والبنى التحتية للمنطقة يتأكد المرء من أنه لا شيء ينقص هذه المدينة لاستضافة حدث بهذه الضخامة.

فهي تشتمل على الملعب الرئيسي والمسمى «آيس ارينا» ويتسع لـ 12 الف متفرج وسيحتضن 13 نشاطا ومباراة. والملعب البيضاوي الذي يتسع لـ 8 الاف متفرج وستقام عليه 14 مسابقة.

اضافة الى ملعبين للهوكي وملعبا لرياضة الـ«كيرلينغ». وغير بعيد عن المدينة يقع منتجع وجبال منطقة «البينسيا» وهي اختصار لعبارة «جبال الألب في آسيا».

وتحتوي على عدة مسارات لرياضات التزلج على المنحدرات.

وكانت بقايا الثلج ما زالت متواجدة رغم ان وقت الزيارة كان بداية شهر ابريل.

ولخدمة الآلاف من الرياضيين والزوار، أعدت السلطات قرية رياضية لاستقبال الرياضيين واخرى للإعلاميين، ومتحفا اولمبيا لتخليد المناسبة.

وكان للوفد الاعلامي فرصة للاجتماع مع هي تشوي ميونغ عمدة مدينة غانغيونغ الذي اقام مأدبة غداء على شرف ضيوف كوريا.

وفي دردشة سريعة على هامش غداء العمل تحدث هي تشوي عن استعدادات المدينة للأولمبياد وما تتمتع به من مقومات سياحية أخرى من طبيعة وشواطئ خلابة على المحيط لا تقل عن اجمل شواطئ العالم.

وطبعا لا يمكن الحديث عن الألعاب الأولمبية دون الحديث عن أيقونتها.

ولدى سؤال العمدة عن سبب اختيارهم للنمر الأبيض كرمز للبطولة، قال انه نوع خاص من النمور في المنطقة.

وتقول الأسطورة الكورية ان هذا النمر يمثل الروح التي تحمي البلاد.

المعتقدات القديمة وبالتالي وقع عليه الاختيار ليحمي الأولمبياد والرياضيين والمتفرجين.

وقد اطلق عليه سوهارانغ.

وتعني كلمة «سوهو» التي تشكل الجزء الأول من الاسم «الحماية» باللغة الكورية، بمعنى أنه يحمي الرياضيين والمتفرجين وجميع المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية.

أما الدب الاسيوي الاسود الذي اختير كرمز للالعاب الاولمبية الخاصة ويدعى «باندابي»، فيرمز الى «الإرادة القوية والشجاعة»، وهو رمز لمقاطعة يانجون.

وفي مقاطعة بيونغ تشانغ ايضا، كانت هناك فرصة لزيارة قصر «سونغ يوجانغ» وهو نموذج حي ما زال مأهولا، لقصور الطبقة العليا من الكوريين.

بني عام 1703 على يد «يي نايبون» وهو الحفيد الحادي عشر للأمير هيو يونغ دايوغان وأحد آخر المنحدرين من سلالة جوسون التي حكمت كوريا لقرون

. والظريف ان الحفيد الرابع والعشرين للامير هيو ما زال يقطن مع عائلته في احد اجزاء القصر، وقد وهب باقي القصر باعتباره ملكية قومية تستقبل الزوار يوميا للتعرف على اسلوب حياة الطبقة الارستوقراطية في كوريا.

مدينة الإنسانية

وبعد ليلة ممتعة في رحاب هذه المقاطعة تخللها عشاء احتفالي اقامه حاكم يانغون مون سون تشوي، وقدم فيه الشاي التقليدي مع نكهات متعددة من الاطعمة المرافقة واستعراض فني بالليزر، وآخر لفرقة «كروكيبروذرز»، كان لا بد من الانطلاق في صباح اليوم التالي الى مدينة «سو ون» التي تلقب بمدينة الانسانية.

كان المطر هو الرفيق منذ وصول الوفد الاعلامي الى المدينة، ذات الابنية العالية، والشوارع المنظمة.

ولم تسنح الفرصة لنا الا لزيارة متحفها، فيما حالت الامطار دون دخولنا قلعتها التاريخية التي اعلنتها اليونيسكو واحدة من مواقع التراث العالمي.

بوسان.. قلب كوريا النابض

لا تكتمل الصورة عن كوريا الجنوبية ما لم تتم زيارة مدينة بوسان، ثاني مدن الدولة بعد سيول.

وإذا كانت الأخيرة هي العاصمة السياسية للدولة، فإن بوسان يمكن أن تعتبر العاصمة الاقتصادية، كونها تسهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي ويقطنها اكثر من 3.5 ملايين نسمة، كما تعد الميناء الرئيس في البلاد والخامس على مستوى العالم.

وهي البوابة الرئيسية بين منطقة يورو آسيا والعالم.

مدينة بوسان تعد مركزا ماليا عالميا، كما أنها تسعى الى استضافة معرض اكسبو 2030، ولا تقتصر أهميتها على مركزها الاقتصادي، فهي تتمتع بطبيعة ساحرة تجعلها وجهة مهمة لمحبي الرياضات البحرية والاستمتاع بالصيف لما تتمتع به شواطئها من سحر.

وتشكل الرحلات البحرية عبر اليخوت فرصة للاطلاع على جمال المدينة من البحر، كما تشكل الرحلة بالحافلات ذات الطابقين فرصة للتجوال في قلب المدينة الساحرة.

ميزة إضافية تزيد من أهمية هذه المدينة كونها تعتبر عاصمة السينما الشرق آسيوية، فهي تنظم سنويا مهرجان بوسان العالمي للسينما (بيف) وهو واحد من اهم المهرجانات السينمائية العالمية.

كهف غوانغ ميونغ

وفي الطريق من بوسان الى مدينة انشيون حيث كانت المحطة الأخيرة، كان لا بد من التعريج على التحفة الطبيعية – الاصطناعية التي تحولت بتعاون بين الانسان والطبيعة الى واحدة من ابرز المعالم التي يجب على زائري المنطقة التعريج عليها.

الا وهو كهف غوانغ ميونغ. والواقع انه ليس كهفا.

وحتى قبل سنوات قريبة لا تتجاوز الستة كان معلما مهملا لا تنبعث منه الا رائحة الربيان المملح.

ولكن حين تتوافر الذهنية الاقتصادية المبدعة يمكن حينها تحويل منجم مهمل استخدم لسنوات للتنقيب عن الذهب والفضة والزنك، الى معلم سياحي ينعش المنطقة التي حوله ويخلق العشرات من الوظائف ويستقبل اكثر من مليوني زائر في السنة.

وتحول بعد ان اشترته بلدية غوانغ ميونغ الى معرض ومتحف.

هذا جزء بسيط فقط من ما يمكن لزائر كوريا الجنوبية أن يكتشفه إضافة إلى الكثير من الكنوز التي لم يسمح الوقت بزيارتها.

«آن يونغ ها سي يو»

رغم صعوبة عبارة «آن يونغ ها سو يو» بالنسبة لنا على الأقل، الا ان جميع الكوريين تقريبا وفي كل مكان تدخله يستقبلونك بها مع ابتسامة دافئة تعبر عن مودة واضحة رغم عدم المعرفة المسبقة.

وبعد التقصي والسؤال ترجم لنا مضيفونا معناها وهو المعادل الكوري لعبارة «مرحبا، كيف حالك».

ويمكنك ان تترك اثرا كبيرا في قلوب الكوريين اذا ما بادرتهم بقولها.

 شوارع كاملة للمطاعم .. ولا بدناء

لمحبي تجربة الأنواع الجديدة من الأطعمة، ستكون زيارة كوريا الجنوبية فرصة فريدة لتجربة أصناف لا تخطر على البال من الأطعمة، لاسيما البحرية منها.

فالمطبخ الكوري يعتمد بشكل أساسي على الارز ويطبخ مسلوقا عادة.

وتقدم إلى جانبه اطباق جانبية متنوعة وبنكهات متعددة.

أما محبو المطبخ العربي فينصح أن يتدبروا أمرهم في مطاعم الوجبات السريعة أو البحث عن مطاعم تعنى بتقديم الأطباق «الحلال» والغريب أن معظم المدن فيها شوارع كاملة للمطاعم لكنك لا تصادف بدناء.

 «هاي وو جاي» .. متحف للمراحيض

ليست مزحة ولا نكتة، بل يأخذها الكوريون على محمل الجد وهم لذلك اقاموا لها متحفا موجودا في مدينة «سو ون»، ويشكل احد مقاصدها السياحية.

اسم المتحف مشتق من كلمة مرحاض بالبوذية ومعناها الحرفي «غرفة التخلص من القلق»، أما صاحب الفكرة فهو سيم جاي داك، العمدة السابق لمدينة سو ون، الذي قرر اعادة بناء منزله على شكل مرحاض وبعد ان عاش فيه سنتين، قرر ورثته وهبه لبلدية المدينة اثر وفاته عام 2009، وفي عام 2010 قررت بلدية سو ون تحويله الى متحف للمراحيض.

ويحوي مجسمات وصورا لتاريخها، وتضم المدينة مقر الاتحاد الدولي للمراحيض، وقد اطلقت الصحافة الكورية على صاحب الفكرة اسما طريفا هو «السيد مرحاض».

شكر وعرفان

بعد أسبوع حافل باللقاءات والاجتماعات والجولات الاطلاعية، لا يمكن إلا توجيه كل الشكر للقائمين والمنظمـين والراعين لـ «المؤتمر الدولي للصحافيين» على التنظيم المميز والدقيق طول مدة الإقامة التي تخللتها تنقلات كثيرة بين كبرى المدن المواقع الكورية.

ومبتدأ الشكر لاتحاد الصحافيين الكوريين المنظم الرئيسي للمؤتمر مدعوما بوزارة الخارجية ووزارة الثقافة ومنظمة السياحة الكورية.

ولا بد من شكر كل المحافظين وحكام المقاطعات الذين استضافوا الوفد ولم يبخلوا بكل ما يمكن من مساعدة للحصول على المعلومة والتعرف على أوجه كانت غائبة أو غير معروفة عن كوريا الجنوبية.

ومنتهى الشكر بالطبع للسفارة الكورية في الكويت التي اختارت «الأنباء» للمشاركة في هذا المؤتمر الدولي المهم.

إغلاق