سلايد 1مقالات وبحوث
العالم يتكلم إيموجي.. لغة موحدة بلا حروف ولا قواعد
بون (ألمانيا)- من حيث لا يدري العالم الغارق بتطورات المعلوماتية والرقميات وعالم السايبر واختراعاته وإضافاته وتطبيقاته المتلاحقة تسللت إلى هواتفنا الذكية ومقاهينا (صفحاتنا على فيسبوك) وكتبنا، بل إلى بيوتنا ونفوسنا لغة إيموجي قادمة من اليابان وتحمل ملامح كثيرة من وعي وشكل ذلك الشعب.
عاصفة تغيير هادئة انتشرت ومازالت تنتشر بشكل عشوائي لكنها قد تستقر في ظرف عقد أو أكثر على رموز نهائية متفق عليها. وحين أقول إيموجي سيتوقف القراء الذين لا يتعاملون مع العالم الرقمي والسايبر عند الكلمة متسائلين عما تعنيه وهي تشبه الأسماء اليابانية التي اعتادوا سماعها في أفلام الرسوم المتحركة القادمة من اليابان.
يقودنا هذا التساؤل غير المعلن إلى تاريخ الإيموجي التي ظهرت بالفعل في اليابان على يد مهندس يدعى شيغيتاكا كوريتا، وهو متخصص في مجال الاتصالات التلفزيونية في تسعينات القرن العشرين. وكان الإيموجي الأول الذي أطلقه هو ذلك الوجه الدائري الصغير الذي تعلوه الابتسامة الصفراء الشهيرة التي بقيت حتى اليوم الأشهر والأكثر تداولا في مفردات هذه اللغة.
اللغة الأكثر انتشارا
الإيموجي أبطال سينما
“ذا أيموجي موفي” فيلم أميركي ثلاثي الأبعاد من إنتاج كولومبيا بكتشرز، ينتظر أن يدخل صالات العرض منتصف أغسطس 2017. كاتب القصة والسيناريو والمخرج توني ليوندز.
يكشف الفيلم عن العالم الخفي المتواري في جهاز الهاتف الذكي الذي بات جزءا حيويا من وعينا وشخصيتنا.
وتدخل الكاميرا رفقة نقلات متسارعة إلى التطبيقات لتصل إلى مدينة تيكستوبوليس النابضة بالحركة وحيث تنشط أشهر الإيموجي في شخصيات ناطقة متفاعلة محبة وعطوفة ومضحكة تغري مستخدم الهاتف بالاستفادة منها.
ويعرض الفيلم بطريقة ذكية أنواعا ليست شائعة بين الإيموجي محرضا مستخدم الهاتف على توظيفها بعد أن يتعود على معانيها.
في هذا العالم الافتراضي الشاسع، حيث تحمل كلّ إيموجي تعبيرا وجهيا واحدا فقط، يتمتع جيني الذي وُلد دون فلتر (والذي يؤدي صوته تي.جي. ميللر) بتعابير متعددة تظهر وتختفي على وجهه.
ويسعى جيني جاهدا إلى أن يظهر كالإيموجي الأخرى بوجه واحد ذي تعبير ثابت، يساعده في هذا المسعى كلٌّ من هاي 5 وفاتح الرموز الشهير جيل بريك.
ويمضي الثلاثي المغامر حثيثا في رحلة البحث عبر عوالم التطبيقات الملوّنة الرياضية الغامضة للوصول إلى كود نهائي يثبّت تعبيرات جيني.
لكن الهاتف الذي يستضيف المغامرة يواجه خطرا داهما فيتعلق مصير كل الإيموجي بكليك بسيط من مستخدم الهاتف الذكي يذهب بعالم إيموجي إلى النسيان والعدم، لكنّ الأصدقاء الثلاثة ينجحون في اتقاء هذا المصير والحفاظ على سلالة الإيموجي المحمّلة على الهاتف حتى إشعار آخر.
في البداية لم يستطع شيغيتاكا أن يسوّق اختراعه لرفض إدارة المشروع الذي يعمل فيه استخدام الرمز خوفا من حصول التباسات في تداوله، لا سيما أنّ القوانين اليابانية المتعلقة بآداب السلام والمجاملة والكلام بالغة الدقة وبالغة التعقيد. لكنّ الانطلاقة الحقيقية الواسعة للغة إيموجي جاءت من شركة آبل عام 2011 حين أطلقت الشركة عددا منها على تطبيقاتها.
تبنى معجم أكسفورد للغة الإنكليزية، عام 2015، كلمة أيموجي بوصف “الوجه الذي تدمع عيناه فرحا” باعتبارها الكلمة الأكثر تداولا على كوكب الأرض. وقدّر أنه يجري تداول 6 مليارات إيموجي يوميا يجري عبر العالم. لكن البعض أثاروا مخاوف من أنّ الاستخدام اليسير الواسع لإيموجي سيضعف اللغات الأخرى، وسيتيح للناشئة خاصة استخدام رموز بسيطة ليس مهما أن يفهموا دلالاتها العميقة للتعبير عن مشاعر بسيطة يومية تنتابهم باعتبارهم يستخدمون تطبيقات الهواتف الذكية وبرامج واتس آب وشبكات التواصل الاجتماعي.
تحدثت دادي دكاش، الخبيرة في شؤون الإعلام الرقمي، عن هذه الظاهرة لـ”العرب” مشيرة إلى أنّ “لغة إيموجي تساعد على إيصال الرسالة بطريقة أسرع ولكنّ الجانب السلبي هو أنّها تضعف اللغة لأنها تشجع المستخدم على التواصل من خلال صورة”.
يرى كثيرون أنّ حجم الانتشار الذي أحرزته اللغة الإنكليزية منذ اكتسحت المعرفة والتطبيقات الرقمية العالم، جعلها تفرض نفسها كلغة لهذا العالم. يواجه هذا الانتشار اليوم تحديّا كبيرا ينطلق من الهواتف الذكية للأحداث والمراهقين وحتى الأطفال عبر العالم، وهم يتبادلون رسائل بسيطة معبّرة بصور وبلا حروف، بدلا عن الرسائل النصية التي اكتسحت العالم مع ظهور الهاتف المحمول، والتي أدى احتكار شركات الاتصال إلى فرض رسوم على إرسالها ما خفض استخدامها إزاء التطبيقات الحديثة للهواتف الذكية.
وقالت دادي دكاش “الإيموجي تسهّل لغة التواصل، إذ قد لا يعرف المستخدم لغة غير لغته الأم، ولكنه يتمكن من التواصل إلى حدّ معيّن مع مستخدم ثان في بلد آخر لا يعرف لغته من خلال استخدام الرموز، ولكنه بلا شك يبقى تواصلا محدودا ويبقى معرّضا لوقوع سوء تفاهم بين المتخاطبين من خلال تفسير معنى الصورة التي تستخدم. في رأيي أنّ الايموجي تكسر حاجز العزل اللغوي بين بلدان وشعوب مختلفة متباينة”.
الملفت للنظر هو تنامي أعداد صور إيموجي ورموزها ودخول حركة الإنيميشن على بعضها، ما يجعل المرء يتساءل أين يمكن أن تقف هذه اللغة التي لا تحتاج حروفا ولا قواعد ولا تنقيط ولا كتابة ولا بلاغة ولا إنشاء؟ وكشف موقع موسوعة “إيموجيبيديا” المتخصص برموز إيموجي أنه حتى يونيو 2017 بلغ عدد رموز الإيموجي المسجلة على مقياس يونيكود 2.666 صورة.
ودخلت كلمة إيموجي من اليابانية إلى اللغة الإنكليزية وشاع استخدامها الإنكليزي عبر العالم، وأصل الكلمة مركّب من صوتين: إي: بمعني صورة، وموجي: بمعنى رمز أو حرف. واختلطت الكلمة والمعني بتعبير ايموشنآيكن الإنكليزي المعبّر عن تعبيرات الوجه في لوحة مفاتيح الهاتف، والفرق بين الاثنين أنّ الثانية هي رمز دون صورة. ولعل القارئ يتساءل عن المسؤول عن ابتكار هذه الرموز وتسمياتها، وعن ذلك يجيب موقع “إيموجيبيديا” كاشفا أنّ شركتي آبل وغوغل هما من تتوليان ذلك، وأنهما تضعان التسميات والرموز في يوني كود.
يضعنا هذا التباين والتنوع المستخدم حتما في حيرة أمام كمية المعروض من رموز الإيموجي وصورها. وللمرء افتراض أنّ المراهقين والأطفال الذين يكثرون من استخدامها غير ميّالين إلى البحث والتدقيق، فكيف يستعملونها وكيف يتقنونها. هناك رموز تتضمن صورة شخص يرفع يده بتحية غامضة، والصورة مكرّرة بعشر نسخ كل منها بلون، أو صور الوجوه الحزينة بفروق لونية وهي في النهاية متاهة لغوية، على المرء البحث في دهاليزها للوصول إلى ما يريد.
يُرجع البعض من المتخصصين ثورة التداول الوسع لإيموجي إلى ظاهرة الاستسهال التي تروق لليافعين والشباب تهرّبا من المعرفة الحقيقية، وهم يرون في هذا السياق أنّ الإفراط في تداولها سيعود بالعالم إلى عصر ما قبل اللغات المكتوبة، إلى عصر اللغات الرمزية، المسمارية والهيروغليفية والصينية واليابانية والتي يعدّها علماء الألسنيات لغات بدائية مقارنة بلغات الحروف التي تمثل أوج رقي العقل البشري.
6 مليارات وجه تعبيري يتم تبادلها يوميا على برامج المحادثات الفورية في مختلف أنحاء العالم
واعتبرت داديدكاش أنّ “عصرنا يشهد عودة عن طرق التواصل المباشرة – وجها لوجه بسبب اشتراطات الواقع الرقمي، حيث أن المتعاملين مع الكومبيوترات يكتفون بالكتابة إلى بعضهم – وإن كان هذا يتناقص بسبب انتشار إمكانيات تبادل الأفلام والتصوير المشترك في برامج وتطبيقات عدة (برامج مثل موزيكلي تضيف لغة الجسد إلى عالم الاتصالات بخلط إضافات إنستغرام والمؤثرات الغنائية الصوتية إلى فيديوهات صغيرة باتت تغني وتعمّق التواصل وجها لوجه)”.
وأضافت أن “لغة الإيموجي تؤثر على عقولنا، فحين نراقب شخصا يكتب ويتلقى إيموجي ابتسامة بعيون دامعة، نكتشف من ملامح وجهه أنّه يتفاعل مع الصورة فعلا بالابتسام مثلا وكأنّه التقى وجها لوجه بشخص آخر. نحن في الحقيقة نعود إلى الرموز البدائية مع قليل من العولمة”. اجتياح لغة إيموجي لوسائل الاتصال (واتس آب، فايبر، سكايب، تانغو) والتواصل الاجتماعي (فيسبوك، إنستغرام، تويتر) بهذا الشكل الكاسح، لا بد أن ينبّه كل علماء اللغة والألسنيات إلى أنّ العالم مقبل على قفزة معرفية هائلة قد تكون بمنزلة ظهور اللغات الذي تنسبه كتب التاريخ الديني القديمة إلى برج بابل الذي تفرقت عنده الأمم ألسنا.
علينا هنا أن ننتبه إلى عنصر هام جدا هنا، فكل الوسائل التي يشيع عليها استخدام لغة إيموجي مجانية، ما يعني حربا أخرى على وسائل الاتصال التقليدية. هذه حرب على اللغات القديمة، حرب بلا دوي ولا صريخ ولا دماء، بل بالضحكة والصورة واللون والرمز، وكلها تزيح بسرعة أجزاء من اللغة التي يتعلمها الإنسان بشق النفس. نعم هذه اللغة لا تصلح لكتابة أطروحة دراسة أكاديمية ولا تصلح للشعر ولا تصلح للرواية، وقد لا تصلح حتى لكتابة رسالة شخصية. وتقول دادي دكاش إن “المستقبل قد يشهد نموّ هذه اللغة، في حال حصول تطور منتظر.
ويمكن من خلال وضع رموز متقاربة إلى بعضها اختصار جمل، ولكن برأيي الخاص من الصعب أن نكتب مقالا بهذه الصور، لأنها قد تسبب خطأ في إيصال الفكرة إلى القارئ، فمن الصعب على الصور أن تعبّر عن معان متعددة كما يحصل في استخدام الكلمات. الإيموجي اليوم ترسل جملا مصورة قصيرة بسيطة للتعبير عن معان محددة”. لكنّ الإيموجي قد لا تصلح لذلك الآن، في هذا المقطع من التاريخ، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لكن لا أحد يستطيع أن يتكهن كيف يصير الوضع بعد 3 عقود، أقل أو أكثر.
الأسبيرانتو في أدراج النسيان
تي.جي. ميللر في دور الإيموجي جين
في ثمانينات القرن التاسع عشر، اخترع عالم الألسنيات البولندي زامينهوف لغة أسبيرانتو في محاولة منه لخلق لغة عالمية مشتركة. وكتب في حينها “أضع هذه اللغة في خدمة المتعلمين لتقليل الوقت والجهد المبذول لتعلم لغات أجنبية، ولخلق روح من الانسجام والتقارب بين الناس ليكون هذا الوسط الجديد وسيلة تخاطب عالمية، يتعلمها الناس فلا يحتاجون إلى تعلم لغات متعددة”.
لكنّ تلك الغايات النبيلة السامية لم تتحقق، وعلينا أن لا ننسى أنّ تلك الفكرة- المشروع قد ولدت في عصر الحلول الاشتراكية التي طرحتها النظريات المادية وفلسفات هيغل وماركس ورؤاهم في يوتوبيا عالمية تنقذ البشرية من عذابات الامتهان والدكتاتورية.
انهارت تلك الحلول الطوباوية، ومع هذا الانهيار توارت الوسائل المعرفية المتفرعة عنها ومنها لغة أسبرانتو. إذ لم تشع اللغة بين الناس، لسبب أنّ تعلّمها بحد ذاته كان صعبا، كما لم تصبح لغة عالمية، بل توارت منسية في أدراج وعلى رفوف مراكز الأبحاث والدراسات.
إزاء هذا الفشل، خلقت تطبيقات السايبر لغة بسيطة نشرها بمرح ودون عناء المراهقون والأطفال، وبات يمكن التفاهم والتخاطب بها بين ياباني لا يتقن غير لغته المحلية وبين ابن فلاح بلغاري يكلمه على شبكات التواصل الاجتماعي.
صور من لغة إيموجي
* وجه بلا فم: صورة لوجه فيه عينان ويخلو من الفم، إنّه تعبير عن الصمت.
* وجه بقبلة وبعينين ضاحكتين: تُظهر الصورة وجها يصفّر أو ينفخ الهواء ضجرا؟ وهو في الغالب يعبّر عن البراءة بمعنى “أتظاهرُ بأني لم أفعل شيئا”.
* وجه يقلّب عينيه إلى أعلى: لإظهار الاحتقار أو الازدراء أو الضجر والملل من موضوع يتحدث به أحدهم. لكن تطبيقات سامسونغ تُظهر هذه الإيموجي للتعبير عن الجانب السعيد في الأشياء.
* الرجل المغنّي: ويعرف أيضا بـ”علاء الدين سين” كما يسمى “بووي”، إشارة إلى المغني الراحل ديفدبووي. ارتبط هذا الرمز بسلسلة الرجال والمايكروفون.
وغير ذلك من الرموز التي تعد بالألوف، والتنافس بين الشركات الرقمية على أشده في إغراق وعي مستخدمي السايبر بالآلاف من الإيموجي، لكن لا بد من التذكير أنّ وعي متابع وسائل التواصل الاجتماعي وعي متقلب والإفراط في عرض الرموز بهذه التنويعات الجزئية التي لا نهاية لها قد تبعث فيه الملل، فينصرف عنها إلى ما اعتاد عليه من لغة.