كتب ودراسات

المقامرة بالمال تفقد الإنسان قدرته على التحكم في رغباته

كشفت دراسة كندية أجريت في جامعة “كيبيك”، أن ممارسة الشباب للقمار تزيد من احتمالات إصابتهم بالأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية والاجتماعية بنسبة تزيد عن 30 بالمئة، كما يخلق منهم هذا السلوك أشخاصًا ضعفاء غير قادرين على التحكم في أنفسهم، بالإضافة إلى تراجع قدراتهم على التحكم في رغباتهم وشهواتهم التي تصبح هي المحرك الرئيسي لسلوكياتهم وتعاملاتهم.

وتوصلت دراسة حديثة إلى أن الأطفال الصغار الذين عانوا من الصدمة والأذى الجسدي بما في ذلك العنف في المنزل، هم الأكثر ميلا إلى إدمان لعب القمار والإصابة باضطرابات في مرحلة البلوغ.

وقالت إن الأطفال الذين يعانون من القمار، وهو اضطراب شائع، هم أكثر ميلا للمعاناة من الإصابات، والصعوبات الزوجية، والتشرد، والمشاكل المالية والإجرام في سن البلوغ.

وأوضحت أماندا روبرتس، عالمة النفس الشرعي في جامعة لينكولن، في المملكة المتحدة، قائلة “هذا يشير إلى أن اضطراب لعب القمار لا يحدث من تلقاء نفسه، وإنما هو ربما بسبب أعراض المشاكل الاجتماعية والسلوكية والنفسية الأخرى من بعض الأفراد”.

وقالت “وجدنا أنه بين الرجال، يبقى اضطراب لعب القمار مرتبطا بشكل فريد مع الصدمات النفسية وضغوطات الحياة في مرحلة الطفولة والبلوغ بعد تعديل مشكلة الكحول وإدمان المخدرات”.

وفحص المشرفون على الدراسة، التي نشرت في دورية السلوك الإدماني نتائج استبيان شمل أكثر من 3000 رجل، حول مجموعة متنوعة من عوامل الحياة، ووجدوا أن ما يزيد قليلا على الربع من الذين لديهم مشاكل مقامرة مرضية محتملة شهدوا عنفا في المنزل وفي مرحلة الطفولة. وقال 10 بالمئة إنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي في مرحلة الطفولة، بينما قال 7 بالمئة إنهم تعرضوا لإصابة هددت حياتهم.

وكشف 23 بالمئة من الرجال، تم تشخيص حالتهم على أنها مشكلة مقامرة، عن علاقة أقل ضررا مع القمار مقارنة مع أقرانهم، الذين قالوا أيضا إنهم شهدوا عنفا في المنزل، بينما كانت نسبة المقامرين دون مشاكل سابقة 8 بالمئة فقط، مقابل 9 بالمئة بالنسبة إلى المقامرين الذين عانوا من مشاكل سابقة، و4 بالمئة للمقامرين من غير مشاكل سابقة.

وشددت الدراسة على ضرورة تقديم خدمات علاجية للمصابين بداء لعب القمار لتشمل الفحص الروتيني لأحداث الحياة المؤلمة أو تعاطي المخدرات، بحيث يمكن علاجه بطريقة أفضل.

اضطراب لعب القمار لا يحدث من تلقاء نفسه، وإنما بسبب أعراض المشاكل الاجتماعية والسلوكية والنفسية من بعض الأفراد

ومن جانبها تقول الدكتورة ولاء نبيل، استشاري الطب النفسي إن الأسباب التي تدفع الإنسان إلى اللجوء إلى المقامرة بالمال بأشكاله المختلفة متعددة، حيث يعاني هذا النوع من الفراغ الدائم، الذي عادة ما يكون نقمة على صاحبه، فقد يعتبر الشباب أن الفراغ الدائم نوع من الموت البطيء، لذلك لا يكون حريصا على حياته مقارنة بالشباب العامل، ما يدفعه ذلك إلى ممارسة القمار، الذي يصيبه في نهاية المطاف بالكثير من الأمراض النفسية، والتي تتنوع ما بين توتر وقلق واكتئاب.

كما أشارت إلى أن الشباب الذي عانى منذ الصغر من اضطرابات نفسية، يكون من السهل عليه ممارسة القمار، حيث تلازمه تلك الاضطرابات مع تقدمه في السن إلى أن يصبح شابًا، وتدفعه بكل تأكيد إلى ممارسة القمار، بالإضافة إلى ذلك البعد الديني.

وأضافت نبيل أن السعي وراء جمع الأموال يكون دافعًا قويًا إلى ممارسة المقامر، فالمقامرة من الألعاب التي تنتهي بخسارة طرف مقابل مكسب الآخر، ويكون المحدد هو المال، لذلك يلجأ إليها البعض من الشباب لتحقيق مكاسب مادية، ويعدّ شعور الشاب بالنقص من الأسباب التي ترمي به بين أحضان المقامرة بالمال، حيث يشعر البعض من الشباب بأن شيئًا ما لا بد أن يمتلكه لكي يشعر بقيمته في الحياة وبين أصدقائه، وهي أن يفرض رغباته على ذاته، ويجعل منها المقوم الوحيد لحياته، وبالتالي يكون من الأشخاص الذين تتحكم بهم رغباتهم دون وعي، اعتقادًا منهم أنه بذلك يخلق لذاته قيمة بين البشر.

كما أن صداقة أصحاب السوء من الأسباب الدافعة لممارسة القمار، حيث يقود أصدقاء السوء عادة إلى ارتكاب الأخطاء، ومن بينها المقامرة، فقد تتغلغل بداخلهم أفكار سيئة بأنه من الألعاب المباحة وليس بها شائبة تنال من صاحبها، ولكن هي في حقيقتها تصيب ممارسيها بالكثير من الأمراض النفسية، من أبرزها القلق والتوتر والاكتئاب، وتجعل منهم أشخاصًا منبوذين اجتماعيًا.

كما يصيب القمار الإنسان بمرض التوحّد، بالرغم من كونه مرضًا أكبر نسبة من مصابيه هم الأطفال، إلا أنه يصيب البالغين بنسب مختلفة أيضًا، ولكن يطلق عليه العزلة الاجتماعية. فقد تؤثر ممارسة القمار على حياة الإنسان الاجتماعية، وقد يشعر بانعدام رغبته في التحدث أو لقاء الآخرين، سوى من يمارسون معه تلك اللعبة، فتأثيرها على الإنسان أشبه بتأثير المخدرات عليه، إلى جانب ذلك يعتقد الإنسان أنه من الوسائل التي تمكنه من الهرب من مشاكله الحياتية، ولكن في الحقيقة هي وسيلة لزيادة تعقيدها أكثر، حيث يكون الإنسان تحت تأثير إشباع رغباته وهي التي تقوده وتحركه بحيث يفقد تدريجيا قدرته على التحكم بذاته والسيطرة عليها.

من ناحيتها توضح الدكتورة سامية الجندي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الأزهر، أنه من المؤكد أن هناك أخطارا نفسية على ممارسي القمار من الشباب، حيث يخلق منهم أشخاص عديمو الإرادة، أكثر انصياعًا لرغباتهم، أقل اختلاطًا بالآخرين، وأشخاصًا أكثر سلبية ولا مبالاة، ولكونها من الممارسات التي يصعب على لاعبها التخلص منها سريعا، يكون من السهل وقوع الإنسان فريسة للعوائق الاجتماعية والأمراض النفسية، حيث يشعر وكأنه غير راض على كافة علاقاته، ويبدأ تدريجيا في التخلص منها، قد يكون ذلك لمجرد تقديم عدد من النصائح له، والتي غالبًا ما تدور جميعها حول ضرورة الإقلاع عن ممارسة القمار، لذلك لا يجد أمامه سوى التخلص من علاقاته الاجتماعية بدعوى أنها غير مجدية، ولكن في الحقيقة هي عائق اجتماعي أمام تحقيق رغبته في الاستمرار بالمقامرة بالمال.

وعن كيفية الإقلاع عن ممارسة القمار ومعالجة الرغبة الداخلية في حب المال، تشير الجندي إلى ضرورة إعادة بناء الإنسان نفسيًا وفكريًا ووضع ضوابط أخلاقية ودينية لسلوكياته وحياته بشكل عام، ما يخلق رادعا دينيا وأخلاقيا يحميه من التدمير النفسي والاجتماعي.

كما ينبغي على المحيط الاجتماعي من أسرة وأصدقاء متابعة أبنائهم منذ الصغر، حتى لا يكونون مؤهلين للوقوع في براثن تلك الممارسات المنحرفة، فلا بد من سد كل الثغرات النفسية التي يمكن أن تقود الشاب إلى المقامرة بالمال. بالإضافة إلى تقويم العلاقات الاجتماعية للإنسان وإيجاد محيط اجتماعي ذي تأثير إيجابي عليه، يحميه من الرغبات المنحرفة السلبية، ومن سيطرة الغريزة المادية عليه، ما يلقي به إلى الهاوية نفسيًا واجتماعيًا وأخلاقيًا ودينيًا.

إغلاق