العراقدول الخليج
العراق : أحزاب إيران في العراق تعيد حساباتها بعد التقارب العراقي العربي
بدأت الأحزاب السياسية العراقية المرتبطة بإيران بالسعي لتغيير مواقفها العدائية من السعودية بعد انضمام الأردن إلى مسار التقارب العربي مع العراق، لكون قياداتها تمتلك مصالح وعلاقات كبيرة وطويلة الأمد في عمّان.
وفضلا عن هذه المصالح، فإن القيادات الحزبية العراقية تضع في اعتبارها أهمية الحياة السياسية العراقية الموازية الموجودة في الأردن، وهي حياة وازنة اعتبارا لعدد العراقيين ولوجود نخبة مؤثرة تعبر عن مختلف أطياف الواقع السياسي العراقي، وهو الوجود الذي يجعل الأردن بدوره أكثر اهتماما باستقرار العراق واستقلال قراره الوطني.
وأكدت مصادر سياسية عراقية في عمّان على أن الكثير من الأحزاب السياسية العراقية التي تجاهر بالعداء للسعودية بسبب ارتباطاتها مع إيران تعيد النظر في موقفها بحكم أن قياداتها ذات مصالح وعلاقات في الأردن ولهذا فإنها ستتجنب المواجهة بسبب التقارب العراقي العربي من بوابة أردنية.
وكان لافتا تزامن زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع زيارة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى عمان والاهتمام الملكي الواضح بالزيارتين.
ودعا العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الاثنين العراقيين إلى “تغليب لغة الحوار”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “المنطقة لا تحتمل أي نزاع جديد”، مؤكدا خلال استقباله الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر في قصر الحسينية في عمان على “الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي العراقية، وبما ينسجم مع الدستور”.
وشدد على أن “المنطقة لا تحتمل أي نزاع جديد يكون المستفيد الوحيد منه العصابات الإرهابية”، وأن “الانتصارات التي حققها الجيش العراقي على عصابة داعش الإرهابية، تشكل قاعدة صلبة لتعزيز أمن واستقرار العراق والحفاظ على وحدة أراضيه”، مجددا “دعم الأردن للجهود التي تستهدف تحقيق المصالحة الوطنية العراقية (…) بما يلبي تطلعات جميع مكونات الشعب بمستقبل أفضل”.
وأشاد العاهل الأردني بـ”الدور المهم للتيار الصدري وسماحة السيد مقتدى الصدر في العملية السياسية، ونهجه الوطني والعروبي”، مشيرا في هذا الصدد إلى “التطور الإيجابي الذي تشهده علاقات العراق مع أشقائه العرب”.
وأعربت مصادر عربية عن اعتقادها بأن استعادة العراق من أحضان إيران كان موضع تنسيق عربي بين دول عدّة من بينها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.
ولاحظت أن الجولة التي قام بها العبادي شملت الدول الثلاث بما يشير إلى تكامل في المواقف في ما بينها لجهة ضرورة إعادة العلاقات العربية – العراقية إلى وضع شبه طبيعي، وذلك في وقت يعرف العبادي جيّدا أن لدى كلّ من الدول الثلاث ما تقدّمه للعراق، خصوصا على صعيد تخلّصه من الهيمنة الإيرانية الكاملة على قراره السياسي والاقتصادي. وكان لافتا في هذا المجال إقامة مجلس تنسيق سعودي- عراقي سيجتمع بعد أربعة أشهر، وهي مدّة كافية لإعداد مشاريع مشتركة يستفيد منها البلدان.
أما على الصعيد الأردني، فقد أشارت المصادر العربية إلى أن البيان الرسمي الذي صدر إثر المحادثات التي أجراها العبادي في عمّان مع الملك عبدالله الثاني ركز على العلاقات “السياسية والاقتصادية والأمنية” مع تشديد على دعم الأردن لـ”وحدة العراق”.
واعتبرت ذلك مؤشرا على الدور الذي يمكن أن يلعبه الأردن على صعيد دعم العبادي سياسيا وأمنيا في حين في استطاعة عمّان الاستفادة إلى حدّ كبير من أيّ اتفاقات جديدة مع بغداد في شأن النفط والتبادل التجاري.
ومعروف أن السوق العراقية كانت منذ ثمانينات القرن الماضي بمثابة المنفذ الأهمّ للمنتجات الأردنية. وجاء تقليص حجم التبادل التجاري بين البلدين بعد العام 2003 ليدخل الأردن في أزمة اقتصادية تفاقمت مع إلغاء بغداد التسهيلات التي كانت المملكة الهاشمية تحصل عليها في المجال النفطي خصوصا.
ورأت المصادر نفسها أنّ المملكة العربية السعودية لعبت دورها في تشجيع العبادي على ضرورة الانفتاح على الدول العربية وذلك كي لا يبقى العراق تحت رحمة إيران.
وقالت إنّ النجاح الذي حققّه رئيس الوزراء العراقي في المواجهة الأخيرة بينه وبين الأكراد زاد من ثقته بنفسه وذلك على الرغم من معرفته التامة بأنّ الانتصار في معركة كركوك ما كان ممكنا لولا الدعم الإيراني المباشر الذي تمثّل بوجود اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في العراق أثناء المواجهة مع الأكراد.
وذكرت المصادر العربية أنّ جولة العبادي التي شملت الرياض والقاهرة وعمّان تعكس وجود سياسة براغماتية لدى السعودية التي تدرك أنّ في الإمكان تحسين العلاقات مع العراق مع أخذ في الاعتبار للدور الإيراني الذي تعزّز في البلد منذ العام 2003 تاريخ سقوط نظام صدّام حسين نتيجة الاجتياح العسكري الأميركي للأراضي العراقية.
وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ الدول الثلاث تمتلك، مع المنظومة العربية عموما، أوراق ضغط على بغداد في المدى الطويل. ومن بين هذه الأوراق الورقة الكردية.
ولوحظ أن السعودية ومصر والأردن حرصت في الأسابيع الماضية على مراعاة حكومة العبادي بإعلان تمسّكها بـ”وحدة العراق”، وذلك تأكيدا لاعتراضها المسبق على الاستفتاء الكردي الذي جرى في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي.
وعكست الجولة التي قام بها العبادي وجود هامش للمناورة السياسية لدى رئيس الوزراء العراقي الذي يواجه حملة شرسة يشنّها عليه نوري المالكي الساعي للعودة إلى موقع رئيس الوزراء بعد الانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها في 2018 بدعم إيراني.
وذكرت المصادر أنّ العبادي ما كان ليقوم بالجولة لولا معرفته بوجود غطاء له من المرجعية الشيعية في النجف التي تضع “فيتو” على عودة المالكي رئيسا للوزراء. إضافة إلى ذلك، يستفيد العبادي من وجود زعامات شيعية، من بينها مقتدى الصدر وعمّار الحكيم، تعمل على التخلّص جزئيا من الهيمنة الإيرانية على العراق، وهي هيمنة ظهرت واضحة خلال معركة كركوك التي كان الحشد الشعبي رأس الحربة فيها.
وأكّدت أن الجولة العربية للعبادي لا يمكن إلّا أن تعزز وضعه الداخلي وذلك ليس بسبب النتائج المحتملة للانفتاح على السعودية، الذي يمكن أن يجلب استثمارات إلى العراق، ولا بسبب الثقل العربي لمصر فحسب، بل بسبب شبكة العلاقات بين تجار عراقيين ورجال أعمال أردنيين أيضا.
وأوضحت أن شبكة العلاقات القديمة بين الجانبين الأردني والعراقي يمكن أن تفتح أبوابا أمام التجار العراقيين الساعين إلى الخروج من القيود التي فرضتها إيران عليهم.
وتشمل هذه القيود حصر التبادل التجاري باستيراد البضائع الإيرانية من جهة وشراء إيران المشتقات النفطية العراقية بأسعار السوق العراقية الداخلية وبيعها خارج إيران بأسعار السوق العالمية.