صحافة واعلام

انحسار المحور الإخواني القطري يفقد الإسلاميين التونسيين عمقهم

تلقي التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية في تونس، إلى جانب تفاعلات الوضع في ليبيا ومحاصرة الدور القطري، بانعكاسات مباشرة على حركة النهضة في ظل مؤشرات عن حالة ارتباك داخل الحزب الذي يواجه مخاوف من مزيد تكبد خسائر سياسية فادحة على ضوء المتغيرات الراهنة.

لا يختلف المتابعون للمشهد التونسي بشأن الإرباك الذي غلف موقف حركة النهضة في ظل مخاوف من إثارة ملفات فساد يمكن أن يثبت فيها تورط عدد من قياديي الحركة. ويتزامن تطور الأحداث مع استمرار تضييق الخناق على أبرز حلفائها الإقليميين خاصة في الداخل الليبي بعيد سقوط الإسلامي عبدالحكيم بالحاج من خارطة التوازنات السياسية وتراجع ميليشيات فجر ليبيا، فضلا عن التصدي لسياسات قطر من جانب مجلس التعاون الخليجي.

لا يعكس الهدوء الذي تظهر به حركة النهضة الشعور بالاسترخاء أو الاستقرار بقدر ما يترجم قلقا متصاعدا داخل الحركة من تبعات الحرب الشاملة على الفساد التي أعلنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

ويرى مراقبون أن الطابع الفجائي والسري الذي رافق الإيقافات الأخيرة لرجال أعمال ومتورطين في قضايا فساد ومس من أمن الدولة أوقع الإسلاميين في حالة من التخبط نتيجة الثقل الذي تمثله البعض من الأسماء الموقوفة.

وأشارت مصادر إلى أن الاجتماع العاجل الذي عقدته الحركة بعد حملة الإيقافات شهد نقاشات حادة وانتهى إلى قرار بالتضحية بعدد من الأسماء الموقوفة على الرغم من ثقلها وحساسية المهام التي تضطلع بها على الصعيد السياسي والاقتصادي. ولفتت نفس المصادر إلى أن علاقات رجل الأعمال الموقوف في إطار حملة الحكومة الأخيرة شفيق جراية بعبدالحكيم بالحاج تطرح أكثر من تساؤل باعتبار أن الأخير من المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي، والمعروف أن لهذا التيار امتدادا جغرافيا كبيرا في المنطقة.

ويلخّص تفكيك العلاقات المتشابكة بين رجال أعمال موقوفين بتهمة “التآمر على أمن الدولة” وقياديين بارزين في تيار الإسلام السياسي شدة الضربة التي تعرض لها الإسلاميون في تونس. ويقول متابعون إن المخاوف يغذيها قلقل من أن تكشف تحقيقات القضاء العسكري حقائق يمكن أن تضع حركة النهضة في موضع مساءلة قانونية.

تراجع الحاضنة الإقليمية التي كانت تستند لها حركة النهضة يضعف موقفها السياسي داخل تونس وخارجها
ويرجح مطلعون على الملف أن يكشف التحقيق مع المتهمين عن دور للإسلاميين في عمليات تسليح الميليشيات الإخوانية وجماعات فجر ليبيا وتسهيل نقلها عن طريق وسطاء أتراك وقطرين عبر تونس إلى جانب تحويلات مشبوهة بالملايين من الدولارات عبر أنظمة بنكية مختلفة تفاديا لكشفها.

ويؤكد باحثون في التيارات الإسلاميين أن هذه العوامل تضاعف من الخسائر السياسية والاستراتيجية التي منيت بها حركة النهضة، خاصة في ظل تقدم قوات الجيش الليبي في عدد من المناطق وبالأساس في العاصمة طرابلس وتضييقها الخناق على ميليشيات حكومة الإنقاذ المقربة من الإسلاميين والجماعات الإخوانية، ما يفرض معادلة سياسية جديدة قد تنتهي إلى انحسار نفوذ الإخوان وبالتالي خسارة النهضة عمقا استراتيجيا داعما في ليبيا.

ويربط المحلل السياسي التونسي اليحياوي بلحسن، في تصريح لـ”العرب”، التزامن الذي طبع التطورات المتسارعة في الساحتين التونسية والليبية بمخرجات قمة الرياض والتي أعادت في جانب منها رسم ملامح الحل على المستوى الإقليمي.

ويضيف بلحسن “ستكون لهذه التحولات انعكاساتها المباشرة على النهضة باعتبار أن قمة الرياض أعادت رسم الخرائط وفرضت جملة من الخيارات خاصة على

الساحة الليبية والتي تقضي باستبعاد عبدالحكيم بالحاج من المعادلة تماما وتضييق الخناق على المحور الإخواني القطري التركي”.

وسيؤدي هذا التوجه إلى الحد من الدعم الذي تحظى به الحركة من الخارج سواء من ليبيا التي كانت تعد إحدى نقاط الارتكاز الإقليمي للإسلاميين أو من جانب النظام القطري والذي يواجه هو الآخر بسياسات حازمة من طرف دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع اتضاح أبعاد الأجندات القطرية التي تصر على التمسك بالإخوان كورقة للمناورة والضغط وتعميق نفوذها بالمنطقة، فإن الحد من تحركات الدوحة على الصعيد الخارجي والتصدي لتمويلها للتنظيمات المتطرفة والإسلاميين سيلقيان بالمزيد من التبعات على حركة النهضة التونسية التي تعد قطر أبرز حلفائها الإقليميين.

ويؤيد الباحث السياسي التونسي سمير بوعزيز هذا الطرح، في حديث لـ”العرب”، مفيدا بأن قطر كحاضنة إقليمية تعتمد عليها النهضة تواجه اليوم تشكيكا واسعا بشأن أجنداتها السياسية ما يضعف من وضع الحركة خارجيا وكذلك داخليا في مواجهة قوى المعارضة والتي ستعمل على توظيف الفرصة لمزيد استدراج الإسلاميين إلى معارك سياسية تفقدها المزيد من المشروعية والتأييد في ظل غياب قوة إقليمية تسندها داخليا.

ويرى بوعزيز أن هذه المتغيرات تؤشر على مرحلة انتقالية داخلية قد تزيد من انحسار القاعدة الشعبية للنهضة قبيل موعد الانتخابات البلدية في مقابل تضاعف نسبة التأييد العام لرئيس الحكومة التونسي بفعل الحملة على الفساد .

إغلاق