وسبب هذا الأمر خيبة أمل كبيرة لدى المواطن الليبي، فيما رجح الخبراء الاقتصاديون بأن هذا الأمر مؤقت وسوف ينتهي بوضع عدة حلول وخطط سوف نتطرق لها في هذا التقرير.
غياب الخطط الإدارية
في هذا الإطار يؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي، حمزة جبريل، بأن المصرف المركزي هو المسئول الأول عن تخفيض قيمة الدينار الليبي، حيث كان سعر صرف الدينار في السابق 1.40 دولار، وبعد ذلك تعمد المصرف المركزي تخفيض قيمة الدينار الليبي وأصبح بقيمة 4.48 مقابل الدولار الواحد.
واعتبر جبريل في تصريح خاص لـ”الخليج 365″ أن هذا الأمر سياسة منتهجة من المصرف المركزي من أجل جلب سيولة نقدية للمصرف المركزي، حيث تسمى هذه العملية بالسياسة الانكماشية، ولكن عند تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار حدث جشع كبير لدى تجار العملات وانتهزوا الفرصة وأدوا إلى رفع سعر الدولار في السوق السوداء مما أدى إلى زيادة انخفض قيمة الدينار الليبي بنسبة تقدر بـ 71%.
وأوضح حمزة جبريل أن وجود مصرفيين مركزيين بالإضافة للحروب المستمرة والصراعات الاجتماعية والعسكرية والسياسية كل هذه العوامل أدت إلى خفض قيمة الدينار الليبي وأصبح هناك تخبط اقتصادي تسبب في تكون بيئة طاردة للمستثمرين الأجانب خوفا من عدم الاستقرار في الجانب الاقتصادي، لأن أصحاب الأموال تحسسوا من هذه المشكلة وسبب هروبهم خارج البلاد.
كما أن هذا الانخفاض هو انخفاض صوري داخل ليبيا، ولكن تظل قيمة الدينار الليبي في صندوق النقد الدولي والعالم لا يزال الدينار الليبي يحتفظ بقيمته، لأن ليبيا دولة نفطية ومن الصعب أن تنهار العملة الليبية كانهيار العملات في اليمن والسودان وغيرها.
وأكد جبريل بأن ليبيا محتفظة باحتياطي كبير من العملات الصعبة والذهب وبالتالي لا يزال الدينار الليبي قويا خارجيا، وأن سياسة التعويم التي قام بها المركزي هي سياسة كانت فاشلة ولم تساهم في حل الأزمة بل ساهمت في تأزم الوضع الاقتصادي لأكثر من ذلك.
وأردف بأن التضخم الاقتصادي في السوق الليبي هو الارتفاع العام والمستمر لجميع السلع والخدمات الاقتصادية، كالسلع التجارية أو الاستهلاكية غير السلع المدعومة من الدولة، وبالتالي أن هناك تضخما كبيرا له عدة أسباب، ولكن لا توجد سيولة وهذا الأمر معارض للنظرية الكلاسيكية، وهي عدم وضع سياسة حقيقية من قبل الحكومة أو من المصرف المركزي وذلك لعودة قيمة الدينار الليبي لما كان عليه في السابق، أي أن هناك خلل في السياسات النقدية المتبعة من قبل المصرف المركزي والدولة.
27 سبتمبر 2022, 15:03 GMT
وأشار الأكاديمي والخبير الاقتصادي حمزة جبريل، إلى أن مصرف ليبيا المركزي لا يوجد به سياسة إدارية وإنما هناك سياسة مالية وسياسة نقدية، السياسة المالية والتي من المفترض أن تكون من اختصاص وزارة المالية ومن ثم تعود للمصرف المركزي، ولكن لم يتبع المصرف المركزي أي سياسة إلا السياسة النقدية انكماشية، أي أنه يمنح في العملات الأجنبية أفراد أو شركات أو اعتمادات بحيث يوفر العملة المحلية.
واستطرد جبريل أن “المصرف المركزي بدأ يخفض في قيمة بيع النقد الأجنبي من قيمة 10 آلاف دولار للفرد في العام إلى 4000 دولار، مما يؤكد بأن هناك نقص في العملات الصعبة في المصرف المركزي، أو أن المصرف المركزي يتبع سياسة الكيل بمكيالين أي يقوم بإنقاذ نفسه من سياسة السماسرة الذين سيطروا على السيولة النقدية خارج المصرف، بوجود السيولة لديهم بشكل أكبر من المصرف المركزي”.
وتابع بأن المصرف المركزي خصص قيمة 4000 دولار لكل مواطن، ويبدو أن المصرف المركزي يسعى لتخفيض سعر السوق السوداء، بحيث أن السماسرة يقومون بخفض قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار، عندها يقوم المصرف المركزي بضخ الدولار وبالتالي ترتفع قيمة الدينار الليبي أمام الدولار، في هذه الخطوة المصرف المركزي أصبح يدافع عن نفسه في حرب قائمة بين المركزي والتجار.
وشدد الأكاديمي والخبير الاقتصادي حمزة جبريل على ضرورة أن يتبع المصرف المركزي سياسة نقدية انكماشية أو توسعية، أي أن المصرف يقوم باستخدام عمليات السوق المفتوح أو عملية الاحتياط النقدي القانوني، ولم يكن هناك سياسات نقدية في المصرف المركزي منذ عام 2011 حتى الآن.
ولفت إلى أن الدينار الليبي غير مرتبط بسعر الدولار وإنما مربوط بحقوق السحب الخاصة التي هي سلة من العملات بما فيها الذهب، كانت في السابق أكثر من 50 عملة ولكن بعد تأسيس الاتحاد الأوروبي أصبحت أربع عملات فقط هي اليورو والين الياباني والريال السعودي والجنية الإسترليني بالإضافة إلى الدولار.
واعتبر أن الدولار يشكل في نسبة 35% فقط في حقوق السحب الخاصة، لو أنهار الدولار فإن قيمة الدينار الليبي ستنهار بنسبة 35% فقط، ولكن هناك فئة من عامة الشعب تعتقد بأن الدينار الليبي مرتبط بالدولار وهذا أمر غير صحيح، الدينار الليبي ارتبط بحقوق السحب الخاصة منذ عام 1986.
وأكد أن هذه المشكلة سوف تنتهي عندما تكون هناك دولة واحدة ومحافظ بنك مركزي واحد ورئيس دولة يخرج في بث مباشر في الإعلام، ويؤكد بأن سعر الصرف سيكون بالرقم المحدد وأن أي تجاوز في قيمة سعر الدينار يعتبر جريمة، ولا بد من استخدام حزمة من الإجراءات من ضمنها ضخ الدولار للمواطن بشكل مباشر، ومراقبة الأسعار والكميات، وإقفال جميع مكاتب الصرافة في ليبيا، عندها ستكون قيمة الدينار الليبي قيمة جيدة، ولكن هذه السياسات لم تتخذ بعد، لأن الحل بسيط لأن ليبيا دولة لديها ثروات والفشل هو فشل حكومي وفشل في سياسات البنك المركزي.
سياسات غير مدروسة
ومن جهته يقول المحلل والخبير الاقتصادي محمد درميش، في تصريحه لـ”الخليج 365″، إن الدينار الليبي مر بعدة مراحل بدأ من عام 1999-2002 عندما تم تخفيض قيمة الدينار الليبي بقرار من المصرف المركزي، حيث أصبح من 0.30 مقابل الدولار إلى 1.20 دينار ونجم عنه انخفاض في مستوى دخل المواطن الليبي كمتوسط دخل في ذلك الوقت 150 دينار مقابل 0.30 يساوي 500 دولار إلى 150 دينار مقابل 1.20 ليصبح 125 دولار شهري بطبيعة الحال هذا الإجراء الأحادي الجانب له تداعيات أخرى.
وأكد محمد درميش بأن تخفيض سعر صرف الدينار الليبي أثر أمام العملات الأخرى على كل من على الواردات الصناعية حيث تعتمد الصناعة في ليبيا على استيراد معظم السلع الوسيطة والآلات وغيرها من الخارج، عند تخفيض سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأخرى ينتج عنه زيادة في أسعار هذه السلع الموردة مما يؤدي إلى ارتفاع كلفة منتجات الصناعة المحلية، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المنتجة وانخفاض الطلب العالمي عليها وأضعاف قدرتها التنافسية.
وأضاف درميش بأن تخفيض سعر صرف الدينار الليبي أثر على التكاليف والأسعار الصناعية وأدى إلى زيادة عدد الوحدات من العملة المحلية مقابل الوحدة من العملات الأجنبية الأخرى وحيث أن الصناعة في ليبيا تعتمد على استيراد معظم السلع الوسيطة من الخارج وكذلك الآلات، وبالتالي فإن تخفيض سعر الصرف الحقيقي سيؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد هذه السلع وكذلك الآلات مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع تكلفة المنتجات الصناعية الليبية وبالتالي زيادة الأسعار.
وقال المحلل والخبير الاقتصادي، محمد درميش، إن تخفيض سعر الصرف أثر على الصادرات الصناعية التي تعتمد على سلع وسيطة محلية ومنها الإسمنت على سبيل المثال، حيث أن تخفيض قيمة سعر الصرف على هذا النوع من الصناعات سوف يكون سلبيا ولكن ليس بدرجة كبيرة وذلك لان السلع الوسيطة المستخدمة في هذه الصناعات يتم إنتاجها محليا.
وأردف أنه “من هنا نلاحظ الانخفاض الكبير في متوسط دخل الفرد الليبي الناجم عن سياسة تخفيض قيمة الدينار مقابل العملات الأخرى حيث انخفاض متوسط دخل الفرد الليبي من 500 دولار في الشهر إلى 125 دولار شهريا”.
واعتبر درميش أن هذا الإجراء الأحادي الجانب أثر تأثيرا كبيرا في الحياة العامة للمواطن الليبي، مما تسبب في زيادة نسبة الفقر والحرمان من الحقوق الأساسية للإنسان، على الرغم من هذا كله فلقد قامت الدولة الليبية بتكرار نفس هذه الأخطاء عندما فرضت ضريبة على الواردات، وفرض رسوم على شراء العملة الأجنبية، وكذلك في نهاية سنة 2020م عندما قامت بتوحيد سعر الصرف بقرار من مجلس إدارة المصرف المركزي، 4.48 دينار مقابل الدولار الواحد.
واستطرد المحلل والخبير الاقتصادي، محمد درميش، أن “ذلك زاد من حدة التشوهات والتضخم في أسعار السلع والخدمات وزيادة أرقام وتضخم بنود الميزانية العامة وخروج وحدات العمل الصغيرة والمتوسطة عن العمل، وفقدان الأيدي العاملة وظائفهم مما زاد من الطلب على الوظيفة العامة وتكبيل الخزينة العامة دفع مرتباتهم وحدوث انكماش حقيقي واضح في الواقع العملي، والمحصلة ما نعاني منه الآن وهو عدم قدرة المواطن الليبي على سداد مطالبات الحياة واستنزاف مدخراته”.
وقال لن يعود الدينار الليبي إلى سابق قوته إلا في وجود إرادة سياسية تملك رؤية وإستراتيجية محدده الأهداف قابلة للتحقيق والتكيف مع المتغيرات تخلق فيه التناغم ما بين السياسات الاقتصادية المالية والنقدية والتجارية، وهذا في ليبيا الآن أمر بعيد المنال.
المصدر : الخليج 365