يقود التيار المتشدد في حزب الدعوة الإسلامية الحاكم في العراق، حملة علنية ضد ما بات يعرف بالتيار المدني، متّهما رموزه بأنهم “ملحدون وعملاء للغرب وإسلاميون مزيّفون”.
ووفقا لمراقبين في بغداد، فإن مأتى الحملة هو تزايد الدعوات في الأوساط الشعبية إلى ضرورة أن تفسح الأحزاب الدينية الحاكمة المجال أمام تجربة حفّزها الحراك الجماهيري الذي انطلق في العراق منذ أعوام، نتيجة لسوء الخدمات التي تقدّمها أجهزة الدولة وتفشي الفساد المالي والإداري واحتكار السلطة من قبل جهات سياسية محددة.
وتخشى الأحزاب التي ترفع شعارات دينية، أن تتعرض لتصويت عقابي خلال الانتخابات القادمة بسبب فشل الحكومات التي شكلتها تلك الأحزاب على مدار الـ14 سنة الماضية وأفضت بالبلد إلى وضع كارثي بكل المقاييس.
ويرصد متابعون للشأن العراقي تنامي الحركة المدنية، التي تتبنى مفهوما يقترب من العلمانية في رؤيتها لشكل إدارة الدولة العراقية، وحصدها المزيد من الأنصار، رغم أنّ التقديرات تظلّ متباينة للغاية بشأن حجمها وقدرتها على التأثير وعلى ضمان دور لها في مستقبل العراق الذي تحوّل بعد الغزو الأميركي إلى دولة دينية.
ومن المؤكد – يقول المراقبون- أن الأحزاب الإسلامية نجحت خلال سنوات احتكارها للسلطة في أن تضفي على المجتمع الكثير من المظاهر الدينية مما زاد من حجم سيطرتها، غير أن فشلها الذريع في إدارة الدولة جعلها تفقد جزءا كبيرا من رصيدها الشعبي. كما أن تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية أطاح بصورة السياسي المتديّن التقي والورع والنزيه لتحل محلها صورته لصّا ورجل صفقات مشبوهة.
غير أن التيار المدني لم يبلور حتى الآن الأدوات والوسائل والأطر السياسية التي تجعله ممثلا للمجتمع العابر للطائفية. فلا حزب ولا كتلة ولا جمعيات مدنية في العراق. أما الحزب الشيوعي العراقي فإنه يدور في فلك السلطة مكتفيا بالفتات الذي تقدمه له علما وأن هناك موقفا مبيّتا من قبل الإسلاميين لإظهار منتسبي ذلك الحزب باعتبارهم ملحدين وكفارا ودعاة انحلال.
وفي المسافة التي تفصل ما بين ما هو ديني وما هو مدني يسعى التيار الصدري إلى إعادة إنتاج نفسه من خلال رفعه شعارات تؤيد ظاهريا الانتقال إلى دولة مدنية بدلا من الاستمرار في مشروع الدولة الدينية الفاشلة.
وكتعويض عن انعدام الأطر السياسية للحركة المدنية العراقية، تناور الحركة من خلال التقارب مع تيار شيعي شعبي عرف بتمرّده على الحكومات المتعاقبة.
في المسافة التي تفصل ما بين ما هو ديني وما هو مدني يسعى التيار الصدري إلى إعادة إنتاج نفسه من خلال رفعه شعارات تؤيد ظاهريا الانتقال إلى دولة مدنية بدلا من الاستمرار في مشروع الدولة الدينية الفاشلة
وعلى مدار الحراك الاحتجاجي الذي شهدته كبريات المدن العراقية بدرجات متفاوتة من القوّة، جمعت ساحات التظاهر بين جمهور رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والمتظاهرين المستقلين أو الذين ينتمون إلى تيارات ليبرالية وعلمانية للمطالبة بإقالة المسؤولين الفاشلين والفاسدين.
وتلوح بوادر عن تحويل ذلك التقارب إلى تحالف سياسي. وكشفت مصادر عراقية أن التيار الصدري يعتزم الطلب من ناخبيه التصويت لمرشحين ينتمون إلى الحركة المدنية خلال الانتخابات المحلية والعامة المقررة لربيع سنة 2018.
وتزامنت هذه التطورات مع انشقاقات كبيرة تعرضت لها أحزاب تقليدية دينية، خلال الشهور القليلة الماضية.
ويقول إعلاميون وقادة رأي في بغداد إن “بعض الشخصيات تحاول النأي بنفسها عن تركة الفشل السياسي في العراق، وتحاول ركوب قطار المدنيّة”.
ومن شأن تطورات مثل هذه أن تشكل تهديدا للأحزاب السياسية الدينية ربما لن تتمكن من احتوائه، وفقا لمراقبين.
وفي انعكاس لهواجس تلك الأحزاب، انطلقت حملة مضادة تزعمها قياديان متشددان في حزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، هما علي الأديب وعامر الكفيشي، اللذين تجاوزا النقد السياسي لدعاة المدنية إلى التخوين والطعن في الأخلاق، وحتى في العقيدة.
ووصف الأديب هؤلاء بأنهم “عملاء فكريون” للغرب، يستلهمون أفكاره ويحاولون نشر الانحلال في المجتمع. وظهر الأديب في محطات التلفزيون المحلي، مدافعا عن فكرته.
ويبدو أن رجل الدين عامر الكفيشي، القيادي البارز في حزب الدعوة وأحد أعضاء هيئته القيادية المكونة من سبعة أشخاص، يحاول إدامة زخم الحملة ضدّ التيار المدني مستخدما المنبر الديني لهذا الغرض.
وينفي الكفيشي في خطبه الدينية وجود ذلك التيار، معتبرا من يطلق عليهم هذا الاسم “هم مجموعة من الشيوعيين والملحدين الذين يريدون النيل من تجربة الأحزاب الإسلامية في العراق”. ويقول الكفيشي إن “بعض الإسلاميين المزيّفين يقفون إلى جانب هؤلاء”، في إشارة إلى مقتدى الصدر الذي يتواصل علنا مع رموز الحركة المدنية ويترك لهم أمر تنظيم التظاهرات التي يشترك فيها الآلاف من أتباع التيار الصدري نفسه.