سلايد 1مقالات وبحوث

كينغ كونغ ينتصر ويحافظ على مملكته في ‘جزيرة الجمجمة’

تشهد صالات السينما هذا العام عرض فيلم “كونغ: جزيرة الجمجمة” إخراج جوردن فوغيت روبيرتس وبحضور النجم الشهير سامويل .ل. جاكسون، وفيه نشاهد حبكة مختلفة عن تلك التقليدية، فهدف البعثة التي أرسلت إلى جزيرة الجمجمة هو قتل كونغ، لا اصطياده وأسره في قفص في العالم المتحضر كما في الفيلم السابق من إخراج بيتير جاكسون.

وتدور أحداث الفيلم عام 1973 في الولايات المتحدة، حيث يقوم بيل راندا الذي يعمل في شركة لرصد الظواهر الخارقة على توظيف فريق من العلماء والعسكريين في سبيل اكتشاف جزيرة الجمجمة، مستعينا بقوات من فيتنام لمساعدته في عملية الاكتشاف هذه، كونه رأى كونغ من قبل ولم يصدقه أحد.

ومن وجهة نظر ما بعد حداثية يقترح الفيلم الصراع بين مفهومين للأنطولوجيا، الإنسانوية بمواجهة الأنيمسية/الروحية، إذ نرى مؤسسات الهيمنة البشرية “العلم، العسكر، الإعلام” التي تؤسس للثقافة البشرية تغزو عالما جديدا لا يخضع لمنظومتها ورؤيتها للوجود، فجزيرة الجمجمة هي الهدف الاستعماري للثقافة الإنسانوية، كحالة فيتنام التي تستعين البعثة بالعساكر التي فيها، فجزيرة الجمجمة “ليست على الخريطة”، أي أنها لم تخضع لتقنيات التسييس التقليدية ولا بد من أنسنتها وإعادتها إلى النموذج الأنطولوجي الإنساني الذي يتربع “البشر” على رأسه.

الفيلم الجديد ينتصر فيه ذكر الغوريلا الضخم على البشر وعلى أعدائه محافظا على التوازن الحيوي في جزيرته

والرجل الأبيض الإنسانوي في الفيلم يحاول أن يفهم ويسيطر على هذه الأرض الجديدة وكائناتها، إذ تشرع الطائرات حال وصولها في قصف الجزيرة بالقنابل لأغراض علمية حسب تعبير فريق العلماء، تعبيرا عن حالة الاندماج بين المؤسسة العلمية والعسكرية لخدمة التفوق البشري، لتبدأ بعدها المواجهة مع العالم الجديد وقوانينه، الهرم السلطوي في “الجزيرة” يخضع لحكم كينغ كونغ، وعلاقات القوة قائمة على أساس غوريلا ضخم يقف في وجه القادمين الجدد ويدمر معداتهم البشرية، لتكتشف البعثة العلمية-العسكرية بعدها أن البشر في هذه الجزيرة يخضعون لحماية هذه الغوريلا، كونه يقف في وجه عدو مفترس أشد خطرا.

أما محاولات “البشر” للقضاء على هذا الوحش فتنبع من النزعة الاستعمارية للسيطرة، وتطبيق السياسات الحيوية الخاصة بالنظام البشري ومجتمعاتهم، إلا أن هذه المحاولات تفشل، لينتصر كونغ في النهاية، بعكس الإنتاجات السابقة التي يتم فيها إخراجه من “نظامه الخاص” ليستعرض أمام البشر ضمن مدنهم.

وتبرز المعالم الأنيمسمية في البيئة الجديدة، بوصف الغوريلا يمتلك ثقافته ذات الملامح الإنسانية، فهو يمتلك شيفرات خاصة للتواصل، ويرى نفسه أنه المتحكم في علاقات القوة والتوازن ضمن البيئة، إلى جانب المظاهر الثقافية التي يتمتع بها، فهو يصطاد ويصنع أدوات ويخزّن الغذاء ويحمي الكائنات الأخرى الأقل قوّة، إلى جانب تقنيات التواصل التي يمتلكها كونه يتقرّب من الفتاة الصحافية وينقذها من الغرق، فهو يرى نفسه أيضا كـ”إنسان” بالمعنى الثقافي، ويمتلك تقسيمات مختلفة عن التقليدية في ما يخصّ “الحياة والموت”، وخصوصا أن “أعداءه” الذين يعيشون تحت الأرض لا يمثلون الموت، بل اللاحياة.

وهم احتمالات لأشكال أخرى من الحياة قد تنشأ إذا مات كونغ، فرحيل الغوريلا العملاق لا يعني أن السطوة ستعود إلى البشر، بل إلى أشكال أخرى من الحياة، نماذج دفينة ستقلب موازين السيطرة والحضور البشري سيبقى مهمّشا ضمنها، بوصفه جزءًا من الطبيعة، لا من الثقافة المرتبطة بتقنيات الهيمنة وآليات تفسير العالم.

إغلاق