مال واقتصاد
الشركات الحكومية ثقب أسود في الموازنة العراقية
تشير البيانات إلى أن الحكومة العراقية واصلت تعيين جيوش من العاملين في الشركات الحكومية على مدى 14 عاما رغم أنها متوقفة عن العمل ودون مطالبة المنتسبين بأداء أي عمل أو حتى الحضور إلى مواقع الشركات باستثناء عدد قليل منهم.
وتملك الوزارات العراقية عددا كبيرا من الشركات التي يصعب حصرها بسبب فوضى السجلات الحكومية، حيث تملك وزارة الصناعة والمعادن لوحدها 72 شركة معظمها متوقف عن العمل وهي تكلف الدولة مبالغ طائلة سنويا، لتغطية رواتب منتسبيها.
ضرغام محمد علي: معظم الشركات الحكومية خاسرة أو معطلة أو أن إنتاجها غير اقتصادي
وتقول الهيئة الوطنية للاستثمار في رئاسة الوزراء إن “أغلب شركات وزارة الصناعة تعمل بطاقة متدنية” لكن الواقع يؤكد أن معظمها متوقف عن الانتاج نهائيا منذ عام 2003 وبعضها منذ سنوات الحصار في التسعينات.
ولا تتوفر في تلك الشركات سوى المكائن والمعدات والخطوط الإنتاجية القديمة، التي يعود تاريخ صناعتها إلى حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وتعتمد تكنولوجيا متخلفة لا تستجيب للمتطلبات الحديثة في القطاع الصناعي.
وتواجه الشركات بمعاملها الضخمة مشكلة كبيرة، تتمثل في عجز منظومة الطاقة الوطنية عن توفير التيار الكهربائي الذي يلائم خطوطا إنتاجية بهذا القدم، لذلك انفتحت السوق العراقية بعد العام 2003 على استيراد كل ما يتطلبه الاستهلاك المحلي.
وبعد مرور 14 عاما على الإطاحة بنظام الرئيس صدام ما زالت الحكومات والبرلمانات المتعاقبة، تعتمد على قوانينه دون إجراء أي تعديلات على طريقة إدارة المؤسسات الحكومية.
وانتكست الصناعة العراقية بعد عام 2003 بسبب إهمال الدولة وغياب التخطيط وانتشار الفساد المالي والإداري، ما أدى إلى تعطل آلاف المصانع.
وكانت الصناعة المحلية تشكل نسبة 14 بالمئة من الناتج القومي بينما لا تشكل اليوم سوى 2 بالمئة، ما دفع عددا من السياسيين إلى المطالبة بإلغاء وزارة الصناعة وتحويل صلاحياتها إلى مجالس المحافظات لأنها لم تعالج أزمات القطاع الصناعي منذ ذلك الحين.
وتعتمد الشركات الحكومية في تنظيم عملها على قانون سن في عام 1997 وهو يسمح للشركات الحكومية بالدخول باتفاقيات مع مستثمرين أجانب بموجب اتفاقيات تقاسم الإنتاج، وقد تم تضمين ذلك لاحقا في قانون الاستثمار رقم 13 لعام 2006، في محاولة من حكومة نوري المالكي الأولى لتشجيع الاستثمار الأجنبي وحمايته.
وقررت تلك الحكومة حينها “شمول مشاريع القطاع العام المتعاقد على تأهيلها أو تشغيلها مع القطاع الخاص والمختلط بجميع المزايا والضمانات الواردة في قانون الاستثمار” لتشجيعها وحث العاملين فيها على بذل الجهود.
لكن هذه الخطة لم تثمر شيئا، وبقيت الشركات الحكومية، بموظفيها، عبئا على الموازنة العامة للبلاد.
محمد توفيق علاوي: الحكومة تفتقر لسياسة اقتصادية واضحة ولا تعرف متطلبات عملية الخصخصة
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي ضرغام محمد علي إن “الشركات الحكومية في معظمها إما شركات خاسرة وإما معطلة وإما أن إنتاجها غير اقتصادي مع وجود استثناءات قليلة جدا مثل شركات صناعة الإسمنت وشركة صناعة السيارات وشركة الصناعات الميكانيكية كونها تتعامل مع الاستثمار بإيجابية”.
ويضيف أن “شركات القطاع العام والمختلط بشكل عام تعاني من ركود في الأداء وقد تحول عدد كبير منها إلى شركات تمويل ذاتي كانت له تداعيات سلبية على إيرادات العاملين فيها”.
وأكد أن “عدم تقديم عروض استثمارية واقعية لإدارة تلك الشركات يعكس انعدام الجدوى من الاستثمار المباشر فيها”.
ويعتقد مراقبون أن الحل الأمثل للتخلص من مشاكل الشركات الحكومية، هو خصخصتها. لكن وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي يعتقد أن رسم سياسة واضحة للخصخصة يحتاج “إلى استشاريين يمتلكون المعلومات والخبرة العملية من أجل وضع سياسة واضحة المعالم للخصخصة لتلافي الآثار السلبية”.
وانتقد علاوي، الذي عمل وزيرا لدورتين منذ 2003 “افتقـار الحكومة لسياسـة اقتصادية واضحة بهذا الشأن، أو بالأحرى، لا تفقه معنى الخصخصة ولا تفقـه تفاصيلها ولا تعرف كيفية تطبيقها بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن”. وأشار إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة تدرك أن “تطوير البلد لا يتحقق إلا بالخصخصة، ولكنها لا تعرف ما هو المطلوب من إجراءات لكي يتطور اقتصاد البلد بالخصخصة”.
وقال إن “سياسة الخصخصة لا يمكن فرضها مـن قبـل الجهـات الحكوميـة العليا من دون أخذ رأي الكادر الوزاري الذي سيتم خصخصة الجهة المنتمي إليها”.
وأكد الوزير الأسبق أن “توفير بيئة تفاعلية مع هذين العـاملين في الشركات الحكومية يعتبر شرطا أساسيا للتحرك باتجاه الخصخصة”.