سياسة

الكويت : سوق المباركية تراث شعبي في الكويت يجمع المواطنين والزائرين

رغم أن الكويت تمتلئ بالأسواق الشعبية والتاريخية القديمة كسوق الغربللي، سوق الجت وسوق واقف، إلا أن سوق المباركية يحتل مكانة خاصة فيها لكونه أشهر وأقدم أسواقها التاريخية، إذ يمتاز هذا السوق الذي يعرفه كل الكويتيين والمقيمين بعمارته الملفتة ذات الطابع القديم، حيث تصطف الأسواق والدكاكين المغطات بأشكال هندسية جميلة، لوقاية المارة من حرارة الشمس صيفا والأمطار شتاء، فهو مغطى تماما ولا يتأثر بتقلبات الطقس بالخارج.

يقول الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح “إن سوق المباركیة هو سوق تراثي يقع في منطقة القبلة وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الشیخ مبارك الصباح”، مضيفا “إن هذا السوق يتمیز بتصمیمه الذي يحاكي الأسواق الكويتیة القديمة وهو يعد من المعالم التراثیة لدولة الكويت ويضم معظم الأسواق في منطقة واحدة”.

ويوضح المسباح أن أسواق الكويت قديما تعد في تلك الفترة من أفضل الأسواق في المنطقة وتتمیز بقربها وتنوع بضائعها وتمركزها في منطقة واحدة، حیث يوفر ذلك الوقت على المستهلك الذي يشتري حاجته دون عناء التنقل من مكان إلى آخر.

ويضيف أن المباركیة “تضم العديد من الأسواق المعروفة مثل سوق الذهب وسوق العبي وسوق اللحوم والأسماك والخضار والمواد الغذائیة والاستهلاكیة والحلويات الشعبیة والتمور والعسل ومحلات العطارة، إضافة إلى الملابس ومحلات الإكسسوارات والسلع التراثیة والتحف والخزفیات والتذكارات”.

ويقول المسباح “يوجد داخل السوق العديد من المحال والمقاهي الشعبیة والاستراحات والمطاعم الكويتیة التي تقدم المأكولات والمشروبات الشعبیة”، مبینا أنها صممت على الطراز القديم من حیث الأعمدة والأسقف والبناء، كما تم وضع أجهزة خاصة بنثر رذاذ الماء لتفادي الحرارة والرطوبة العالیتین، إذ أن الشكل الخارجي الحديث مركز جذب الناس.

سوق الزمن الجميل

تمتاز الدكاكين بمداخلها المرتفعة عن سطح الأرض حیث كان الباعة يعرضون سلعهم وهم جلوس ولكي يتمكن الزبائن من الشراء بسهولة.

ويوضح المسباح أن الأسواق القديمة تتمیز بمداخلها ومخارجها الواسعة التي تسهل على جمیع الزائرين سواء من أهل المدينة أو أهل البادية الدخول والخروج بكل يسر.

كل ما يلزم النساء في محلات العطارين

وعن البضائع التي تعرض في السوق قديما، يقول “عند قدوم أهل البادية قديما إلى مدينة الكويت كانوا يعرضون بضائعهم من الأغنام والألبان والزبدة وأخشاب الوقود والخیام (بیوت الشعر) وغیرها في ساحة الصفاة، ويشترون حاجاتهم من الأسواق القريبة من نفس الساحة”.

وعلى الرغم من التجديد الذي طال المباني والدكاكين في المكان، إلا أن سوق المباركية لا يزال يحتفظ بطابعه التراثي الأصيل، فلم يؤثر التطوير والتجديد على الجذور التاريخية للمكان.

أم فهد سيدة كويتية أصيلة اعتادت منذ سنين طويلة الذهاب إلى منطقة القبلة في الكويت العاصمة، حيث أقدم سوق في الكويت، وهو الشهير بالمباركية، منه كانت تتسوق هي وزوجها وتعود إلى أبنائها الصغار بالفاكهة والخضار واللحوم والأسماك وكل ما تحتاجه من متطلبات.

لم تنس أم فهد أبدا أن تقول لزوجها “خذني أضبط نفسي عند العم أبوكندر العطار الإيراني”، ذلك العطار صاحب الخلطات السحرية لتشتري خلطة حنة الشعر وأخرى لتلميع البشرة، كما أنه يبيع خلطات يعشقها الكويتيون تداوي آلام الظهر وتنفع للرقبة وتعالج المعدة وتريح تقلصات البطن، ناهيك عن خلطة آلام الأسنان العجيبة.

تصمت أم فهد دقائق وتعود لتلتفت يمينا ويسارا في سوق المباركية، وقد تجاوزت التاسعة والثمانين من عمرها، وهي تتكئ على حفيدها وتقول له “خذني عند العم أبوكندر الإيراني لأضبط نفسي”، فيقول الحفيد “من هذا الإيراني يا جدتي؟”، فترد عليه “عطار يبيع خلطة حنة الشعر وتفتيح البشرة”، فيقول لها الحفيد “يا جدتي وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟”.

ولم تكن أم فهد الوحيدة المولعة بسوق المباركية الذي يلبي احتياجاتها، فهي والكثير من الكويتيين الكبار في السن يضعون سوق المباركية في مكانة خاصة لديهم، فهو من معالم الكويت التراثية التي تعبر عن ماضيهم ومن الأسواق القديمة التي كان يزورها أجدادهم، ويقع السوق في العاصمة بمنطقة القبلة، وعندما تزور المباركية تشعر بأنك عدت إلى الزمن الجميل حيث البساطة في تصاميم المحلات التجارية وعرض البضائع.

ويضم سوق المباركية كل ما يحتاجه الكويتيون من اللحوم والأسماك والمواد الغذائية والاستهلاكية والحلويات الشعبية والتمور والعسل ومحلات العطارة والملبوسات الرجالية والنسائية، إضافة إلى مجموعة من محلات الإكسسوارات والسلع التراثية والتحف والخزفيات.

من الأشیاء الممیزة في المباركیة رؤية كل أسرة جالسة مستمتعة دون تعد على خصوصیتها

ويحتل السوق مكانة كبيرة لدى الكويتيين حيث يعتبر تراثا ومعلما له خصوصيته؛ ففيه كل ما تحتاجه الأسرة من طعام وملبس وأوان، بالإضافة إلى محلات العطور والمحلات التراثية التي تبيع الملابس التراثية القديمة.

ويقول الخبير الأثري طلال الساعي إن “السوق صمم بشكل معماري رائع حيث أن أسقفه الخشبية عالية جدا بحيث لا يشعر المتسوق بحرارة الشمس خصوصا في فصل الصيف، بالإضافة إلى الشكل الجمالي الذي تتسم به جدران السوق”.

وأكد أن سوق المباركية له شعبية خاصة ويزوره عدد كبير من الناس على الرغم من ظهور الأسواق والمولات الحديثة، وذلك لأنه يعتبر مكانا سياحيا حيث أنه يلبي رغبات الأسرة بالكامل، فالأطفال يلعبون في الملاهي الموجودة بالمباركية بينما باقي الأسرة تتسوق، وفي نهاية اليوم يتناولون العشاء في أحد مطاعم السوق. وهناك مطاعم كويتية ومصرية وإيرانية وتركية تقدم أغلب الأكلات الشهيرة.

تنتشر في السوق المقاهي والاستراحات والمطاعم التي تقدم شتى أنواع المشروبات والمأكولات اللذيذة سواء الخليجية أو الإيرانية والهندية، وتتميز المطاعم بتصميمها على الطراز التراثي القديم لتحاكي أزقة وأروقة السوق.

ويقول أبوضاري “أفضل أن أصطحب أسرتي نهاية كل أسبوع لزيارة المباركية لتناول العشاء في أحد المطاعم الإيرانية”، مضيفا أنها فرصة لكي يلعب الأطفال بعد أسبوع من الدراسة والالتزام بالمذاكرة.

أما حمد الهاجري فيقول “أتمتع وأنا أجلس في المقاهي الشعبية بالسوق بالمناظر الرائعة والفن الجميل الذي صمم به هذا السوق حيث ارتفاع الأسقف الخشبية بهذه الطريقة التي تجعل الهواء لا ينقطع من السوق، وأحيانا يكون الجو رطبا أكثر من المولات المكيفة”.

ويؤكد فلاح العلي الذي يزور المباركية أسبوعيا هو وأبناؤه أن السوق يحاكي فترة تاريخية مهمة عاشها الأجداد، لذلك يحرص على أن يتعرف الأبناء على ماضي الكويت.

ويقول الحاج خليل صاحب أحد محال التمور في المباركية “إن الكويتيين تعلقوا بالسوق بشكل روحاني فهو تراث قديم جدا اعتادوا الذهاب إليه منذ زمن بعيد، ولي زبائن منذ أكثر من أربعين عاما”.

المواطن أحمد العازمي يؤكد أنه يداوم على زيارة المباركية باستمرار لوجود العديد من المطاعم التي تقدم أكلات من مختلف البلدان، بالإضافة إلى محال الملابس التي يفضل الأبناء التسوق فيها.

ويقول محمد حسن أحد مديري المطاعم في المباركية إن شارع المطاعم في المباركية من الشوارع الحية التي تزدحم بالزوار الكويتيين والوافدين، مضيفا أن السبب في هذا الزحام هو تنوع ما تقدمه المطاعم من أكلات شهيرة لدول متعددة. ويفضل الكويتيون الاستمتاع بليالي رمضان في السوق، ويحرص الشبان على الجلوس في المقاهي الشعبية ويسهرون حتى صلاة الفجر، بينما تتجول العائلات في السوق لشراء الملابس التراثية من مختلف بلدان العالم خاصة الباكستانية والهندية والإيرانية وغيرها.

ويقول المواطن محمد الفیلكاوي ان للمباركیة “سحرها الخاص في شهر رمضان وموسم العید فیمتاز جوها بالألفة والدفء حیث تجتمع كل الفئات العمرية على طاولة واحدة بعیدا عن الزحمة والضوضاء والتكلف فتشعر بالبهجة والسعادة خاصة أن المكان يعطي نكهة مختلفة”.

ويجذب سوق المباركية الأسر الكبيرة في الكويت، التي تفضل الالتقاء وتبادل الحوارات العائلية في هذا المكان الذي يعتبر معلما تراثيا يحاكي فترة ما قبل اكتشاف النفط حيث الحياة البسيطة التي يعشقها الكويتيون.

حركة نشيطة

وتقول المواطنة سلوى الكندري وهي أم لثلاثة أطفال إن المباركیة “منطقة تراثیة تتنفس عبق الماضي لذلك أحرص أنا وعائلتي الصغیرة على المجيء كثیرا إلیها كي نعیش لحظات جمیلة”.

وتضيف أن “من الأشیاء الممیزة في المباركیة رؤية كل أسرة جالسة تستمتع بلحظات دونما تعد على خصوصیتها، حیث ترى الجمیع مستمتعا بالأجواء لا سیما في المناسبات وأيام العيدين”.

أما منى العازمي وهي طالبة في جامعة الكويت، فتقول “يحلو لي مع صديقاتي قضاء أوقات سعیدة في العید في الأماكن الشعبیة التي تعبر عن تراثنا الكويتي القديم الذي يتسم بالبساطة في عرض منتجاته الشعبیة التي تتمیز بأسعار غير باهظة”.

مقصد السياح

لم يعد سوق المباركية جاذبا لأهل البلد فقط، بل بات يعرف كمعلم من معالم الكويت، لأنه يفوح بعبق الماضي الجميل الجاذب للسياح والمقيمين في البلاد لبساطته وأسعاره المناسبة لجميع الناس من جميع الطبقات.

ويقول المواطن حسين موسى صاحب مطعم في المباركية، إن المباركية تعد وجهة أهل الكويت والسياح لما لها من طابع شعبي جميل وسحر خاص، مؤكدا أن لهذه المنطقة- التي يرتادها أيضا المثقّفون والأدباء والسياسيون وأصحاب المهن الواحدة وكذلك العامة- أهمية تاريخية مهمّة، إذ أصبحت في السنوات الأخيرة تشهد ازدحاما غير مسبوق، فلا يجد الزائر مكانا للجلوس فيه من كثرة الزوار.

ويضيف “يبقى سوق المباركية هو الأكثر شهرة وشعبية، حيث يستقطب المواطنين والمقيمين والسياح ليمضوا سهراتهم في أجواء ترجع بهم إلى الماضي المحمل بعبق التراث الجميل وبساطته، إضافة إلى طبيعة أكلاته الشعبية ومشروباته اللذيذة”.

ويزخر سوق المباركية بالعديد من المقتنيات الأثرية القديمة التي يعود تاريخها للمئات من السنين، والتصميم الهندسي التراثي الذي يجعل السائح يعيش أجواء الأسواق التراثية القديمة، سواء بمقتنياتها ومحتوياتها أو تصميمها.

ويقول المصري عبدالمحسن سيد “نحن المقيمون تسحرنا منطقة المباركية، فهي تذكّرنا بالمناطق العريقة في مصر مثل الموسكي والحسين، كما أننا نأتي إليها في نهاية كلّ أسبوع لنتناول العشاء، إضافة إلى أن الأطفال يجدونها فرصة للألعاب الجديدة والملاهي”.

واليوم لا يعد سوق المباركية مجرد سوق للتبضع فقط، بل أصبح مقصدا سياحيا لمن يريد التعرف على الروح الأصيلة للكويت ويعد واحدا من أهم أماكن الجذب السياحي في الكويت وأحد أشهر معالمها وأكثرها قدما، فسوق المباركية يحمل الزائر إلى حقبة مختلفة من الزمن برائحة البهارات والشاي على الفحم، ويعكس جانبا من تاريخ الكويت.

إغلاق