على مدار العقود الماضية، اتخذت العلاقات السعودية الأمريكية طابع التحالف الإستراتيجي، وكان التحالف قائمًا على فرضية مفادها أن واشنطن تضمن أمن الدولة السعودية على المستوى المادي، بينما تؤدي الرياض دور الشريك المتعاون في مكافحة الإرهاب، والمورّد المتجاوب وغير السياسي إلى أسواق الطاقة العالمية. وتشكل مبيعات الأسلحة جزءاً لا يتجزأ من هذه العلاقة: فمهمة الحفاظ على الجيش السعودي الكبير تربط واشنطن بالرياض بشكل وثيق، في حين أن المشتريات الضخمة للمملكة من الأسلحة الأمريكية والخدمات ذات الصلة تقوّي قطاع الدفاع والاقتصاد العام في الولايات المتحدة.
لكن هذا التحالف شهد حالة من التوتر من المنظور السعودي أولًا حينما شعرت المملكة العربية السعودية بالخذلان لاسيما بعد توقيع إدارة أوباما مفاوضات سرية، حول الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، دون الأخذ في الاعتبار الهواجس السعودية حول أنشطة إيران المزعزعة للأمن والاستقرار، وتقييد برنامج إيران الصاروخي. وثانيًا حينما فاجأ الرئيس بايدن السعودية والحلفاء الخليجيين برفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية التي وضعها الرئيس ترامب في آخر أيامه لقائمة المنظمات الإرهابية. وسحب 8 بطاريات صواريخ الباتريوت الدفاعية من السعودية. أما التوتر من المنظور الأمريكي، فجاء على خلفية اتهام الولايات المتحدة الأمريكية السعودية بالاصطفاف مع روسيا بعد قرار مجموعة أوبك بلس خفض إنتاج النفط مليوني برميل يومياً، وهو قرار تقني أملته الأوضاع الاقتصادية العالمية، خشية من الركود الاقتصادي ـ ورفض إدارة بايدن تبرير ـ ووصف القرار بالمسيس وقصير النظر، ويساعد روسيا في حربها على أوكرانيا بزيادة دخل روسيا. ويضر بمصالح الولايات المتحدة والمستهلك الأمريكي، ولوح بايدن وقيادات إدارته بالعمل على مراجعة العلاقة مع السعودية وما يترتب عليها من عواقب تطالها عند انعقاد الكونغرس الجديد بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر الماضي. وكان هناك توجه أمريكي بالانتقام من المملكة العربية السعودية إزاء قرار تخفيض الإنتاج النفطي.
لكن إيران قدمت من حيث لا تدري خدمة للتحالف السعودي الأمريكي كي يستعيد حيويته وتصحيح مسار التحالف، فمن خلال معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، تفيد بأن وكالة المخابرات الأمريكية وبعض الدول أبلغت قبل شهرين المملكة العربية السعودية بأن هناك مخطط إيراني في توجيه ضربة قاصمة للمنشآت النفطية السعودية، وعندما تحققت الرياض من صحة المعلومة الاستخباراتية، عملت على رفع درجة حالة التأهب القصوى، حيث كانت إيران تنوي الاعتداء عليها من خلال 300 مسيرة مفخخة تنطلق من العراق واليمن وإيران، وتستهدف المنشآت النفطية السعودية، وفي مقدمة تلك المنشآت شركة أرامكو، لكن تدخل بعض الدول والشخصيات السياسية عبر الطلب من إيران تأجيل الاعتداء وليس إلغائه، وهذا ما حدث بالفعل، فإيران نزلت عند هذا الرأي في التأجيل وليس الإلغاء، هذا الاعتداء من وجهة النظر الإيرانية نابع من قناعة أو معلومات مفادها بأن المملكة العربية السعودية تدعم قناة إيران العالمية المؤيدة للاحتجاجات الإيرانية ضد الحكم الإيراني. ورأت إيران أن التغطية الإعلامية لقناة الحدث العربية السعودية، تدعم تلك الاحتجاجات. لكن الذي منع ذلك الاعتداء الخطير، عدم توافق إيراني – إيراني في الاعتداء على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، وانقسم ذلك إلى رأيين الأول: الرأي غير الواقعي الداعم للاعتداء، وهذا يجسده الحرس الثوري الإيراني، حيث يدعم بقوة توجيه ضربة عسكرية ضد تلك المنشآت، أما الثاني فهو الرأي الرافض للاعتداء، وهو الرأي الذي تمسك بالواقعية السياسية وعدم الانجرار وراء المجهول ويتمثل بخامنئي وأعضاء من مجلس الأمن القومي، والجدير بالإشارة هنا أن هؤلاء الأعضاء هم من التيار المحافظ المتشدد، الذين رأوا أن الاعتداء على المنشآت النفطية ليس حلًا لتسوية الخلافات مع المملكة العربية السعودية، وإنما يمكن اللجوء إلى وسائل أخرى لتسويتها دون اللجوء إلى القوة العسكرية المتهورة. لأن هذا الاعتداء قد يذهب بإيران والإقليم إلى حافة الهاوية، كما ذهبت العلاقات اليابانية الأمريكية إلى حافة الهاوية عندما قامت اليابان بالاعتداء على الأسطول الامريكي في ميناء هاربر أثناء الحرب العالمية الثانية.
هذا التأجيل -لغاية الآن ونرجو أن يتم إلغاؤه- جاء أيضًا لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وشركائها من دول الاتحاد الأوروبي لإنقاذهم من شتاء بالغ الصعوبة في حال الاعتداء على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية، كما أن هذا التأجيل جاء لمصلحة النظام العالمي، لأن إقدام إيران على مثل هذه الخطوة المتهورة في بيئة أوروبية ودولية مستعرة على خلفية الحرب الروسية ضد أوكرانيا، قد يزيد المأزق والصراع العالمي لنذهب – فيما بعد- إلى مشهد لا يحمد عقباه عالميًا.
المصدر : أحوال السعودية