أخبار
المستشار أسعد الفهد: مجلس التعاون قوة خليجية ناعمة
في دراسة حديثة أعدها مستشار دعم اتخاذ القرار رئيس مركز EWG للاستشارات والتنمية أسعد الفهد بمناسبة انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجية الرابعة والأربعين التي تبدأ اعمالها اليوم، ذهب إلى ان مجلس التعاون الخليجي يعد قوة ناعمة حققت للدول المنضوية تحت عباءته الكثير.
وقال في دراسته إن المجلس رغم انجازاته لم يحقق الوحدة الخليجية على النحو الذي تطلع اليه الآباء المؤسسون، لافتا الى ان الطريق لهذه الوحدة مملوء بالتحديات والعقبات.
واشارت الدراسة الى ان دول المجلس اصطفت خلف اتفاقية «العلا» التي أعادت إليها قوتها وفاعليتها.
ورأت أن المجلس الأعلى يحتاج أن يعيد رسم مسارات جديدة للعلاقات مع القوى الدولية والأطراف المتنافسة على النفوذ في المنطقة لاسيما أننا على اعتاب تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهي مرحلة جديدة تحتاج لسياسات موحدة تدرك طبيعة التحالفات والاصطفافات الجديدة وتخطط لشراكات متوازنة مع القوى الدولية بناء على القوة الناعمة التي يمتلكها المجلس لإحداث التوزان الاستراتيجي في ميزان القوى في المنطقة بما يحقق أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي.
وأوضحت الدراسة أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية استطاع منذ قمته الأولى التي انعقدت في أبوظبي في مايو عام 1981 أن يثبت أنه من أهم التجمعات الإقليمية في المنطقة والعالم، ليس فقط لأنه استطاع أن يظل صامداً في مواجهة التحديات الخطيرة التي واجهته، على مدار ثلاثة وأربعين عامًا من تأسيسه، وإنما أيضاً لما حققه من إنجازات على الأصعدة المختلفة، السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية، كما استطاع المجلس أن يمضي قدماً باتجاه تعزيز المواطنة الخليجية، ويحقق الكثير من آمال الشعوب الخليجية في الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار.
وأضافت يحسب للمجلس أنه نجح في تطوير آليات عمله طيلة هذه السنوات حتى يمكنه التفاعل بإيجابية مع المستجدات والمتغيرات الداخلية والخارجية، وأثبت أن إرادة التعاون والتكامل بين دوله قويّة وعميقة وأكبر من أي معوقات أو صعوبات، لأنها تنبع من الإيمان بوحدة التحدي والمصير وبما يمتلك من موارد وإمكانات طبيعية وبشرية وبما يمتلك من أدوات القوتين الصلبة والناعمة.
ولفتت الانتباه إلى أن المجلس مرّ منذ تأسيسه في مايو عام 1981 بالعديد من المحطّات والمنعطفات المهمة التي خطا فيها خطوات كبيرة إلى الأمام على طريق التضامن والوحدة، واستطاع أن يحافظ على وجوده ويعمّق حضوره على الساحتين الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من التحدّيات والأزمات الصعبة التي اعترضت مسيرته فإنه استطاع أن يواجهها بموقف واحد ورؤية متّسقة، ما أسهم في تعميق الإيمان العميق به وبأهميته كمصدر للقوة الصلبة والناعمة وكإطار قوى لتعميق الوشائج بين دوله.
ورأت الدراسة أن المجلس بات إطاراً قوياً للأمن الجماعيّ، وسياجاً لحماية مكتسبات دوله والتصدي للأخطار التي تعترضها، وأصبح يلعب من هذا المنطلق دوراً مؤثراً في إدارة الأزمات التي تشهدها المنطقة، خلال السنوات الماضية، هذا إضافة إلى تزايد الثقة الدولية به بصفته يمتلك أدوات القوة الناعمة التي مكنته من تحقيق الاستقرار والتنمية في إطاره الإقليمي، وذلك بفضل السياسات الخارجية المتوازنة التي يلعبها مجلس دول التعاون الخليجي من أجل تحقيق التنمية والاستقرار والسلام في المنطقة.
الانطلاقة الأولى
ورأت أن انطلاقة مجلس دول التعاون الخليجي في 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو 1981م كانت تهدف لإيجاد صيغة تعاونية لتأسيس تكتل سياسي واقتصادي يضم الدول الست يهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس.
وذكرت أن المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وكلها منطلقات تمثل القوة الناعمة لدول المجلس وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية والنظام الأساسي للمجلس.
وأشارت الدراسة إلى أن النظام الأساسي للمجلس يهدف أيضا لتكريس أدوات ومصادر القوة لمواجهة التحديات في واقع المنطقة المضطرب من خلال «وضع أنظمة متماثلة» في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، بالإضافة إلى الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسياحية، والتشريعية، والإدارية.
كما يحرص المجلس على دفع وحشد وتوظيف أدوات القوة التي تمتلكها الدول الأعضاء في مجالات التقدم العلمي والتقني والصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعـاون القطاع الخاص بين دول المجلس.
بواعث النشأة
ومن خلال الدراسة التي قام بها المركز يرى الباحث أن بواعث نشأة مجلس دول التعاون الخليجي جاءت استجابة لمعطيات واقع إقليمي مضطرب بهدف البحث عن تكتل سياسي واقتصادي يحقق الاستقرار لدوله الست عبر تكريس أدوات ومصادر القوة الصلبة والناعمة التي تمتلكها الدول الأعضاء وصهرها في بوتقة ومنظومة واحدة، وتأكيدا لذلك يستشهد الفهد بما قاله الدبلوماسي الكويتي السابق د. عبدالله بشارة، الذي شغل منصب أول أمين عام للمجلس، أن قرار إنشائه جاء متأثراً بالظروف الإقليمية التي برزت في ذلك الوقت وعلى رأسها اتفاق السلام المصري- الإسرائيلي والثورة الإسلامية في إيران. حيث أيقظ الحدثان كوابيس كامنة لدى دول الخليج العربية ذات السياسة المحافظة، إذ «شهد العالم العربي انشقاقات وانقسامات بعد توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات لاتفاق السلام مع إسرائيل، وتفجرت على إثر ذلك مواقف وبرزت صراعات».
ومضى يقول: انه وبالنظر إلى مجالات التعاون بين دول المجلس منذ تأسيسه وحتى الآن نجد أنها شكلت وعززت منظومته على مستوى القوة الصلبة في مجالي التعاون العسكري والأمني وكقوة ناعمة لدوله على المستوى الداخلي وفي محيطها الإقليمي والدولي والتي شملت الشؤون السياسية والتعاون في مجالات القانون والقضاء والاعلام والاقتصاد وفي مجال شؤون الإنسان والبيئة، إضافة إلى اللجنة الاستشارية للمجلس الأعلى والتعاون في مجال تدقيق الحسابات، العلاقات الاقتصادية مع الدول والمجموعات الاقتصادية.
وأكدت الدراسة أن المجلس أسهم في تعزيز التعاون على مستوى الدول الأعضاء وتمثل ذلك بشكل واضح في الجانب العسكري والأمني وهما مظهران للقوة الصلبة. حيث قررت دول المجلس تشكيل قوة دفاع مشتركة تحت اسم «قوات درع الجزيرة» في نوفمبر 1982.
ودللت على ذلك بقولها إن هذه القوة نفذت أول تمرين مشترك بعد ذلك بعام على أرض الامارات. وتمركزت هذه القوات التي كان قوامها في البداية 5 آلاف جندي في منطقة حفر الباطن شمالي شرقي السعودية في عام 1986. وفي أكتوبر 2002 اجتمع وزراء دفاع دول المجلس في مسقط وأعلنوا عزمهم رفع عدد القوات إلى 22 ألف رجل.
التعاون العسكري
ورأت أنه بالنظر لمسيرة العلاقات بين دول المجلس نجد أنها لم تقف عند هذا الطموح في تحقيق التعاون العسكري والأمني وتوظيف قوتها الصلبة ولكن سعت لتفعيل قوتها الناعمة حيث نص النظام الأساسي للمجلس على العمل على «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها» ويأتي تعزيز التعاون الاقتصادي المشترك في مركز متقدم ضمن مجالات التكامل بين دول المجلس. وقد نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في تعميق العلاقات الاقتصادية فيما بينها.
أدوات القوة
وأكدت أن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بالعديد من أدوات القوة الناعمة فمن بين 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة ليس هناك تصنيف لأي مجموعة أخرى من الحكومات والاتحادات والتكتلات السياسية والاقتصادية قوية ومؤثرة مثل دول مجلس التعاون الخليجي. السبب؟ أنه يشكل تكتلا سياسيا واقتصاديا لست دول تسيطر على حوالي ثلاثين بالمئة من احتياطيات العالم المؤكدة من النفط والسلع الاستراتيجية التي تعتمد عليها اقتصادات العالم، وتأتي دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة في المرتبة الأولى عالميا في احتياطي النفط والمرتبة الثانية في احتياطي الغاز، وهي أيضا الأولى عالميا في إنتاج النفط.
وتبلغ مساحة دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة 2.410 مليون كلم مربع، أي 15 في المئة من مساحة الدول العربية كلها، ولها شريط ساحلي مشترك يبلغ 2929 كيلومترا. وقد بلغ عدد سكان دول المجلس عام 2020، حسب إحصائيات المجلس، 57.4 مليون نسمة.
واستطردت الدراسة تقول إنه ومن خلال استخدام المنهج الاستقرائي والتاريخي في رصد دور مجلس التعاون الخليجي في توظيف أدوات القوة الناعمة يرى الفهد أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه في مايو 1981 استطاع أن يحقق العديد من الإنجازات ويستثمر في أدوات القوة الناعمة التي يمتلكها الدول الأعضاء، سواء فيما يتعلق بتنفيذ العديد من المشاريع المشتركة، أو فيما يتعلق بتطوير مستوى التنسيق والتعاون والتكامل، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها، أو فيما يتعلق بتطوير آليات عمله، ويمكن تناول مظاهر استثمار مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأدوات ومصادر القوة الناعمة في المسارات التالية :
? توظيف القوة الناعمة على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادي.
? تعزيز الشراكة الخارجية كقوة ناعمة مع القوى الإقليمية والدولية.
? تفعيل أدوات القوة الناعمة لعلاج الأزمات الداخلية.
? تعزيز المجلس للمواطنة الخليجية كقوة ناعمة.
وضربت الدراسة مثالا لهذه المسارات بقوله فيما يتعلق بتوظيف القوة على صعيد العلاقات السياسية يرى الفهد أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ نشأته استطاع أن يعمل كإطار موحد تمتزج فيه الرؤى والتصورات المختلفة لدوله في محاولة للتقريب فيما بينها وتوحيد مواقفها ورؤاها تجاه مختلف القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، وخلق شبكة من المصالح المتشابكة أساسها الروابط المشتركة ووحدة الهدف والمصير. وشهد العمل الخليجي المشترك، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، طفرة كبيرة، من خلال تعميق مسيرة مجلس التعاون والتنسيق في مختلف المجالات. حيث واصل قادة دول المجلس، اجتماعاتهم ولقاءاتهم لبحث التطورات في المنطقة والعالم، وتعزيز التعاون الثنائي.
وأوضحت أن التجانس زاد بين دول المجلس في تبني مواقف موحدة تجاه القضايا السياسية، ترتكز على مبادئ عدة شكلت إطارا لقوته الناعمة وهي: مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادة كل دولة على أراضيها ومواردها، واعتماد مبدأ الحوار السلمي وسيلة لفض المنازعات الأمر الذي أعطى المجلس قدرا كبيرا من المصداقية كمنظمة دولية فاعلة في هذه المنطقة الحيوية في محيطها الإقليمي والعالمي.
المخاطر المشتركة
قالت الدراسة: بدأ توظيف المجلس للقوة الناعمة إضافة إلى القوة الصلبة واضحًا في المواقف القوية التي اتخذها المجلس في الدفاع عن مصالح أعضائه، وفي مواجهة المخاطر المشتركة التي تواجه دول المجلس، وتجلَّى ذلك بوضوح في توحيد القرار الخليجي السريع بقطع العلاقات وتجميدها مع إيران في يناير 2016، رداً على الاعتداءات الإيرانية المتكررة، أو الانخراط في عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في مارس عام 2015 لردع التمدُّد الحوثي المدعوم من طهران، وقطع الطريق أمام الأعمال التخريبية التي تقوم بها الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران مثل حزب الله اللبناني.
واضافت ومنذ انطلاقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كان تأكيده الواضح على المواقف الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث: (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، والتأكيد على دعم المجلس، حق السيادة للإمارات العربية المتحدة، على جزرها الثلاث، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الإمارات العربية المتحدة، واعتبار أن أي ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث، لاغية وباطلة، ولا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية.
وزادت: وبطبيعة الحال، ما كان بمقدور مجلس التعاون أن يتخذ هذه المواقف التي تعكس قوة دوله الصلبة والناعمة، لولا وجود نوع من التوافق والتعاون السياسي فيما بين دوله، وعزز من كثافة حجم التفاعلات السياسية بين دول المجلس سواء من خلال الاجتماعات التي تتم في إطاره على مختلف المستويات أو عبر اللقاءات الثنائية، والحرص على الانتظام في دورية انعقاد المجلس على مختلف مستوياته، بدءًا من المجلس الأعلى الذي يمثل القادة، مرورًا بالمجالس الوزارية، وانتهاء باجتماعات اللجان الفرعية مع الحرص على المشاركة فيها على أعلى مستوى بصرف النظر عن أية خلافات وكان لافتًا أن اجتماعات المجلس الأعلى كانت هي الأكثر انتظامًا ولم تنقطع على الإطلاق حتى خلال الأزمات الإقليمية والعالمية الحادة، وكذلك استحداث عدد من الآليات الأخرى لتحقيق المزيد من التعاون بين دول المجلس وفي إطاره، مثل آلية القمة التشاورية التي بدأ تطبيقها في مايو 1999 والهيئة الاستشارية الخليجية التي تمت الموافقة عليها في قمة الكويت سنة 1997 بهدف فتح المجال أمام المشاركة الشعبية في قضايا الاندماج والتكامل.
نتائج الدراسة
خلصت الدراسة إلى أن مجلس التعاون الخليجي كمنظومة إقليمية تمتلك العديد من أدوات القوة الناعمة، التي تم استثمارها في الكثير من المجالات، وسعى المجلس الأعلى لتوظيفها لتحقيق الوحدة الخليجية لكنه لم يحققها على النحو الذي تطلع لها الآباء المؤسسون فالطريق لهذه الوحدة مملوء بالتحديات والعقبات في ظل تعارض السياسات الخارجية ومشاريع النفوذ المتباينة لدول المجلس.
وقالت: أما على المستوى الخارجي فنستطيع القول إن مجلس التعاون الخليجي بحد ذاته كمنظومة إقليمية يعد قوة ناعمة لدوله حقق لها الكثير بفضل تفعيل أدوات ومصادر هذه القوة لخدمة أهدافها الاستراتيجية.