العراقدول الخليجسلايد 1صحافة واعلام

العراق : مقاومة الفساد.. حرب العبادي الثانية غير مضمونة العواقب

  • رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي خرج من الحرب ضدّ تنظيم داعش في هيئة القائد المنتصر، سيكون لزاما عليه خوض حرب ثانية لا تقلّ شراسة وهي الحرب على الفساد التي قد تضعه في مواجهة شركاء له بالعملية السياسية ما يجعل نتائجها غير مضمونة.

التغيير نحو الأفضل مرتبط في أذهان العراقيين بالتغلب على الفساد

بغداد – توعّد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بشنّ حرب على الفساد تضاهي الحرب الشرسة التي خاضها العراق ضدّ تنظيم داعش طيلة الثلاث سنوات ونصف السنة الماضية.

وتبدو المقارنة بين الفساد والإرهاب في العراق دقيقة من عدّة نواح من ضمنها صعوبة اجتثاثهما بشكل كامل والآثار المدمّرة للظاهرتين.

ومحاربة الفساد مطلب شعبي عام في العراق كثيرا ما ظهر في ساحات التظاهر والاحتجاج وأبدى العبادي تجاوبا معه دون أن يتمكّن من تحقيق إنجازات فعلية في ذلك نظرا لتعقّد الظاهرة واستشرائها وتغلغلها في جميع مفاصل الدولة واختلاطها بنفوذ كبار السياسيين المشاركين أصلا في صنع القرار وإدارة الشأن العام.

وقال رئيس الحكومة العراقية “إنه بعد الانتهاء من داعش ستكون هناك حملة لمحاربة الفساد الذي يتطلب تضافر جهود الجميع للقضاء عليه مثلما قضينا على عصابات داعش الإرهابية”.

وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإن الفساد سيمثّل عاملا مضاعفا للأوضاع السيئة التي خلفتها الحرب على تنظيم داعش من دمار طال مناطق ومدنا كثيرة ومن تشريد للسكان ومن تعطيل للدورة الاقتصادية في تلك المناطق، ليكون من ثمّ عامل تعطيل لإطلاق مرحلة جديدة في فترة ما بعد الحرب على التنظيم المتشدّد تكون مختلفة على ما قبلها.

ويُقبل العراق في مايو القادم على انتخابات أكّد حيدر العبادي أنّها ستجرى في موعدها الذي تمّ تحديده دون تأخير، فيما يرى أغلب العراقيين ضآلة فرص أن تفضي إلى تغيير حقيقي في البلاد، إذ أن إزاحة الوجوه التي قادت البلد منذ سنة 2003 من كبار رموز وقادة الأحزاب الدينية أمر صعب رغم ما تعلّقت بكثير من هؤلاء من تهم فساد وسوء تصّرف في موارد الدولة وإهدار للمال العام.

شبه بين ظاهرتي الفساد والإرهاب في العراق لجهة كارثية النتائج التي تخلفانها وصعوبة اجتثاثهما بشكل كامل

ويكشف اقتران كلام العبادي بشأن الفساد بحديثه حول الإرهاب في سياق تأكيده على إجراء الانتخابات القادمة في موعدها، عن نقاط قوّته في مواجهة خصومه السياسيين ومنافسيه على منصب رئاسة الحكومة من خلال الانتخابات ذاتها.

فالعبادي لن يكتفي وهو يتقدّم لخوض الانتخابات بصفة القائد المنتصر في الحرب على تنظيم داعش، لكّنه يريد أن يكتسب صفة مهمّة لدى العراقيين وهي قيادة الحرب على الفساد، دون أن تكون لديه ضمانات أكيدة لكسب هذه الحرب على غرار انتصاره في محاربة داعش.

ويظلّ السؤال قائما بشأن المدى الذي يستطيع العبادي الوصول إليه في حربه على الفساد، وبشأن قدرته على تجاوز مطاردة “صغار” الفاسدين من موظفي الدولة وحتى من بعض وزرائها إلى الإطاحة بالرؤوس الكبيرة التي ليست سوى بعض كبار قادة الميليشيات والأحزاب الدينية المشاركين في السلطة.

وعلى سبيل المثال، فإن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يرأس حزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه العبادي ذاته، في مقدّمة المطلوبين للمحاسبة على نطاق واسع في العراق، حيث تنسب إليه المسؤولية عن انتشار الفساد وتغلغله في جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها، وعن إهدار مبالغ طائلة تقدّر بمئات المليارات من الدولارات تأتّى بعضها في سنوات الارتفاع الكبير بأسعار النفط، دون أن يكون لذلك أي أثر يذكر سواء في تنشيط اقتصاد البلاد أو في تحسين بناها التحتية أو في رفع مستوى عيش مواطنيها.

وأفضت قيادة المالكي للحكومة طيلة ثماني سنوات متواصلة حتى سنة 2014 إلى كارثة احتلال تنظيم داعش لحوالي ثلث مساحة العراق، وهي كارثة لا تنفصل بدورها عن ظاهرة الفساد التي تسرّبت في عهد المالكي إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية سواء في ما يتعلّق بصفقات السلاح وما اعتراها من رشى وتزييف في فواتيرها ومن غش في مواصفات السلاح الذي يتمّ اقتناؤه، أو بوجود الآلاف ممن تطلق عليهم محليا تسمية “الفضائيين” وهم عبارة عن أشخاص يتقاضون رواتب باعتبارهم منتسبين للقوات المسلّحة دون أن تكون لهم أي خدمة فعلية في صفوف تلك القوات.

ولسنوات عدّة ظلّت فضيحة اقتناء أجهزة كشف متفجّرات من إحدى الشركات البريطانية وتبيّن أنّها مجرّد لعب أطفال، تهزّ العراق وتمثّل نموذجا عن خطورة ظاهرة الفساد وتأثيرها حتى على أمن المواطنين، إذ أنّ الأجهزة ذاتها كانت سببا في خروقات أمنية وتنفيذ تفجيرات في مناطق مأهولة بالسكان.

ويتم الاكتفاء إلى حدّ الآن في نطاق الحرب على الفساد بتوقيف أشخاص وموظفين من غير القادة وكبار السياسيين. وأعلن الأحد عن اعتقال مطلوب بتهمة “المساس بأموال الدولة” في مطار بغداد وتحويله إلى الجهات الأمنية المختصّة لإجراء التحقيق معه. وجاء ذلك بعد أن أعلنت مديرية الجمارك العامة قرار الحكومة حجز الآلاف من السيارات المستوردة لحساب القطاع الخاص بسبب شبهة فساد وتهرّب من الضرائب في عملية الاستيراد.

وتظلّ مثل تلك الإجراءات، في رأي الكثير من العراقيين، سطحية إلى أبعد حدّ لأنّها لا تنفذ إلى جوهر الظاهرة ولا تمسّ كبار رؤوس الفساد الذين جعلوا من العراق ضمن أكثر دول العالم فسادا بحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية الصادرة على مدى السنوات الماضية.

إغلاق