أخبارمقالات وبحوث

لقاء ترامب وزيلينسكي الأخير – دوافع الضغط الأمريكي والتكلفة الاستراتيجية

رئيس التحرير: بسام فهد ثنيان الغانم

شهد البيت الأبيض في 28 فبراير 2025 مواجهة غير مسبوقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث اتسمت هذه المواجهة بلهجة حادة وموقف عدائي من ترامب، أثار استغراب المراقبين وحلفاء الولايات المتحدة على حد سواء.

هذا اللقاء لم يكن مجرد مشادة كلامية عابرة، بل كشف عن تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا، مع تبلور أسئلة جوهرية حول دوافع هذا الضغط، المطالب الأمريكية وما إذا كانت هذه المطالب قد تتجاوز في تكلفتها ما تطلبه روسيا من كييف.

في هذا المقال، نحلل أبعاد هذا اللقاء، دوافع ترامب، والتداعيات المحتملة على أوكرانيا والعلاقات الدولية، مع التركيز في النهاية على ما يريده ترامب من العرب والمسلمين وكيف يمكن للدول العربية التعامل معه.

لماذا يضغط ترامب بهذه الطريقة “السمجة” ويستخدم الاستهزاء؟

خلال اللقاء، لم يكتف ترامب بانتقاد زيلينسكي بوصفه بعبارات مثل “دكتاتور بلا انتخابات” و”ممثل كوميدي ناجح إلى حد ما”، بل وجه له تهديدات مباشرة بقطع الدعم الأمريكي إذا لم يوافق على شروط محددة! هذا الأسلوب يعكس استراتيجية ترامب المفضلة في التفاوض: استخدام الضغط النفسي والإهانة العلنية لإجبار الطرف الآخر على الخضوع، لكن وراء هذا الأسلوب الاستعراضي تكمن دوافع استراتيجية أعمق.

ترامب الذي وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحروب التي تورطت فيها أمريكا يرى في الصراع الأوكراني عبئًا ماليًا وعسكريًا لا يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة المباشرة، فبحسب تصريحاته أنفقت واشنطن أكثر من 350 مليار دولار على دعم أوكرانيا، وهو يريد الآن “عائدًا” ملموسًا على هذا الاستثمار!

الاستهزاء بزيلينسكي ليس مجرد تعبير عن شخصية ترامب، بل رسالة للجمهور الأمريكي الداخلي الذي يشكك في جدوى استمرار دعم أوكرانيا، خاصة مع تصاعد التحديات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، من خلال تصوير زيلينسكي كشخص غير جدير بالثقة أو الاحترام يبرر ترامب موقفه في تقليص الالتزامات الأمريكية تجاه كييف.

ماذا تريد أمريكا من أوكرانيا، وما التعويضات المطلوبة؟

تشير التقارير إلى أن ترامب قدم لزيلينسكي خيارًا واضحًا: إما التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا يتماشى مع رؤية واشنطن، أو مواجهة انسحاب الدعم الأمريكي بالكامل، لكن الأمر لا يتوقف عند السلام فقط، هناك مؤشرات قوية على أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعويضات اقتصادية مباشرة مقابل المساعدات السابقة. صحيفة “فاينانشيال تايمز” أشارت إلى أن الصفقة المقترحة تنص على استغلال الموارد الطبيعية الأوكرانية – مثل المعادن النادرة والغاز – لسداد ديون المساعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن، كما يُعتقد أن ترامب يضغط للحصول على امتيازات اقتصادية طويلة الأمد، ربما تشمل عقود إعادة إعمار أوكرانيا لصالح شركات أمريكية.

بالإضافة إلى ذلك يبدو أن الولايات المتحدة تريد من زيلينسكي التنازل عن أجزاء من الأراضي الأوكرانية – مثل شبه جزيرة القرم ومناطق الشرق – كجزء من تسوية مع روسيا، وهو ما يتماشى مع رغبة ترامب في إنهاء الصراع بسرعة، هذا النهج يعكس رؤية ترامب التجارية للسياسة الخارجية، حيث يتعامل مع الدعم الأمريكي كاستثمار يجب أن يدر أرباحًا، وليس كالتزام أخلاقي أو استراتيجي لحماية النظام الدولي.

هل يمكن أن تكون المطالب الأمريكية أكثر تكلفة من المطالب الروسية؟

المطالب الروسية من أوكرانيا واضحة منذ بداية الصراع: الاعتراف بضم القرم والمناطق الأربع التي أعلنت موسكو ضمها (دونيتسك، لوهانسك، زابوريجيا، وخيرسون)، إضافة إلى ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. هذه الشروط رغم قسوتها محددة وتركز على المكاسب الجيوسياسية والأمنية لروسيا، في المقابل تجمع المطالب الأمريكية بين التنازلات الإقليمية والتعويضات الاقتصادية، مما قد يجعلها أكثر تكلفة على أوكرانيا على المدى الطويل.

إذا وافق زيلينسكي على شروط ترامب فقد يخسر أوكرانيا ليس فقط أراضيها بل أيضًا سيادتها الاقتصادية، حيث ستصبح مواردها تحت سيطرة الشركات الأمريكية، وربما تتحول إلى دولة تابعة اقتصاديًا لواشنطن.

هذا السيناريو قد يكون أكثر ضررًا من الخضوع للمطالب الروسية، التي قد تسمح لأوكرانيا بالاحتفاظ ببعض استقلالها الاقتصادي حتى لو خسرت أراضيها، من هنا يمكن لزيلينسكي أن يفكر بجدية في إعادة تقييم موقفه مع روسيا، خاصة إذا شعر أن الدعم الغربي لم يعد مضمونًا كما كان في السابق.

هل ما فعله ترامب رسالة للعالم وللقمة العربية القادمة؟

الطريقة التي تعامل بها ترامب مع زيلينسكي – أحد أبرز حلفاء أمريكا في أوروبا – تحمل دلالات عميقة للدول الأخرى، بما في ذلك الدول العربية التي ستجتمع في قمتها القادمة هذا السلوك يرسل رسالة واضحة: الولايات المتحدة في عهد ترامب لن تستمر في تقديم دعم غير مشروط، بل ستتعامل مع حلفائها كشركاء تجاريين يجب أن يقدموا مقابلًا ملموسًا.

بالنسبة للدول العربية قد يعني ذلك أن أي مساعدة أمريكية مستقبلية – سواء عسكرية أو اقتصادية – ستأتي مع شروط صارمة، وربما مطالب بامتيازات اقتصادية أو تنازلات سياسية.

ماذا يريد ترامب من العرب والمسلمين ولماذا؟ وكيف يمكن للدول العربية الرد؟

في ضوء ما حدث مع زيلينسكي، يمكن استنتاج أن ترامب يريد من العرب والمسلمين تعاونًا اقتصاديًا وسياسيًا يخدم أجندته “أمريكا أولًا”:

على المستوى الاقتصادي، قد يسعى ترامب للحصول على عقود نفطية وعسكرية مربحة، واستثمارات خليجية ضخمة في الاقتصاد الأمريكي، وربما ضغط لتطبيع المزيد من العلاقات مع إسرائيل كجزء من صفقات شاملة.

سياسيًا، قد يطالب بمواقف أكثر وضوحًا ضد خصوم أمريكا مثل إيران، أو مشاركة أكبر في حروب بالوكالة تقلل العبء عن القوات الأمريكية.

الدافع وراء ذلك هو تعزيز صورته داخليًا كقائد يحقق مكاسب ملموسة للشعب الأمريكي، مع تقليص الالتزامات العسكرية المكلفة في الخارج.

للرد على هذا النهج يجب على الدول العربية تبني استراتيجية موحدة وذكية:

أولًا، يتعين عليها تعزيز وحدتها في القمة العربية القادمة لتجنب التعامل مع ترامب ككيانات منفصلة يسهل استهدافها.

ثانيًا، يمكنها استخدام مواردها الاقتصادية – مثل النفط والاستثمارات – كورقة ضغط لفرض شروطها، بدلًا من الخضوع لمطالب أحادية الجانب، على سبيل المثال يمكن للدول الخليجية ربط استثماراتها في أمريكا بضمانات سياسية محددة، مثل دعم قضية فلسطين أو تقليص الضغط الأمريكي في المنطقة.

ثالثًا، يجب على الدول العربية تنويع تحالفاتها مع قوى مثل الصين وروسيا، مما يمنحها مرونة تفاوضية أكبر أمام ترامب.

للنجاح في المفاوضات مع ترامب تحتاج الدول العربية إلى فهم أسلوبه: هو رجل أعمال يحترم القوة والمكاسب المتبادلة، لذا بدلًا من الاستسلام لضغوطه يمكنها تقديم عروض “تجارية” مغرية تجمع بين المصالح المشتركة، مع الاحتفاظ بخطوط حمراء واضحة، على سبيل المثال تقديم استثمارات في مشاريع بنية تحتية أمريكية مقابل تقليص التدخل في شؤون المنطقة.

بهذا الشكل تستطيع الدول العربية تحويل تهديد ترامب إلى فرصة لإعادة صياغة العلاقة مع واشنطن على أسس أكثر توازنًا.

 

لقاء ترامب وزيلينسكي الأخير كشف عن توترات عميقة في العلاقات الأمريكية-الأوكرانية، وأبرز نهجًا جديدًا يركز على المصالح الاقتصادية والعملية على حساب الاعتبارات الأخلاقية أو الاستراتيجية التقليدية.

الضغط “السمج” الذي مارسه ترامب يهدف إلى فرض تسوية سريعة مع روسيا مع ضمان تعويضات اقتصادية لأمريكا، لكن هذه المطالب قد تكون أكثر كلفة على أوكرانيا من التنازل لروسيا مباشرة.

بالنسبة للعالم وخاصة العرب والمسلمين يعكس هذا الحدث حقبة جديدة من السياسة الأمريكية تتطلب ردًا ذكيًا وموحدًا، من خلال الوحدة واستخدام الموارد كأداة ضغط وتنويع التحالفات تستطيع الدول العربية مواجهة مطالب ترامب والتفاوض معه بنجاح، محولة التحدي إلى فرصة لتعزيز مكانتها الدولية.

اترك تعليقاً

إغلاق