سياسة
بغداد تعدل عن تجاهل الانتهاكات بالموصل وتفتح تحقيقا شكليا
بغداد – أجبر الدّوي الإعلامي الذي أحدثه تحقيق غربي مصوّر كان قد أظهر ارتكاب القوات المشاركة في حملة استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش لانتهاكات خطرة بحقّ أهالي المدينة، حكومة بغداد على العدول عن تجاهل تلك الانتهاكات وفتح تحقيق بشأنها، اعتبره كثيرون شكليا لا يتعدّى الهدفُ من ورائه تجنّب الحرج، وذلك استنادا إلى تجارب سابقة حيث لم تعلن أي نتائج لتحقيقات في انتهاكات مماثلة شهدتها مناطق عراقية أخرى رغم مضيّ فترة طويلة على فتحها.
وعلى سبيل المثال، ماتزال الانتهاكات التي مورست ضدّ أهالي مدينة الفلّوجة بمحافظة الأنبار، والتي وصلت حدّ الخطف والتعذيب والقتل على الهوية، مسجّلة ضدّ مجهولين، وما يزال مصير العديد من الضحايا غير معروف رغم مضيّ سنة كاملة على انتهاء معركة استعادة المدينة من تنظيم داعش بمشاركة ميليشيات شيعية يعرف الجميع أنّها المسؤولة عن تلك الانتهاكات.
ودفع ذلك “مركز جنيف الدولي للعدالة” إلى توجيه رسالة إلى المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدّة يلفت فيها نظر المنظّمة والمجتمع الدولي عموما إلى وجوب الدفع نحو فتح تحقيق نزيه وعادل فيما سماه المركز “مذبحة الفلوجة”، لتحديد الجناة وتحقيق العدالة للضحايا.
وأمر وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، الأربعاء، بالتحقيق في ما راج بشأن تعذيب قوات الأمن لمدنيين وقتلهم بدم بارد خلال حملة الموصل.
وجاء ذلك بعد رواج تقرير نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية الأسبوع الماضي وتضمّن صورا تظهر آثار تعذيب التقطها مصور مستقلّ رافق إحدى وحدات فرقة التدخل السريع التابعة للداخلية العراقية، أثناء قتالها بالموصل.
وأظهرت الصور محتجزين اتهموا بالانتماء لتنظيم داعش يتدلون من السقف وأياديهم مقيدة وراء ظهورهم. وكتب الصحافي قائلا “إن السجناء خضعوا لتعذيب أفضى إلى الموت وتعرضوا للاغتصاب والطعن”.
وقال المصور إنه أراد في بادئ الأمر توثيق بطولة القوات العراقية التي تحارب تنظيم داعش، لكن جانبا مظلما للحرب تكشف تدريجيا أمامه.
وأضاف أن الجنود الذين كان يعمل معهم سمحوا له بأن يشهد وقائع التعذيب ويصورها، مبيّنا أنّه فرّ من العراق مع أسرته حرصا على سلامته.
مركز حقوقي دولي يطالب الأمم المتحدة بالدفع نحو فتح تحقيق نزيه وعادل بمذبحة الفلوجة عاما بعد ارتكابها
وفرقة الردّ السريع هي أحد أجهزة الأمن الحكومية التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وشاركت بفعالية في قتال داعش بمدينة الموصل التي لم يبق منها تحت سيطرة التنظيم سوى عدد قليل من أحياء الجانب الواقع على الضفة الغربية لنهر دجلة الذي يقسم المدينة نصفين.
وقال بريت ماكغورك مبعوث واشنطن لدى التحالف الدولي عبر تويتر إنّ “الوحدات التي لا تلتزم بمعايير حقوق الإنسان تضرّ بتضحيات افرادها ولا بد أن تخضع للتحقيق والمحاسبة” في إشارة إلى تقرير دير شبيغل.
واتهمت فرقة الردّ السريع المجلّة الألمانية بنشر تقرير يستند إلى “صور مفبركة وغير حقيقية”.
ومنذ حلّ القوات العراقية على يد الاحتلال الأميركي سنة 2003 باتت تلك القوات تعاني مشاكل تنظيمية ترتّبت على عملية إعادة تشكيلها التي توصف بالمرتجلة وغير المهنية.
وعلى سبيل المثال لم يسلم تشكيل القوات من الاعتبارات الطائفية التي أصبحت متحكّمة في كل مفاصل الدولة العراقية، وتمّ دمج الكثير من العناصر صلبها بعيدا عن معيار الكفاءة وعلى سبيل المجاملة والمكافأة.
وبما أنّ الأحزاب الشيعية الموالية لإيران هي المتحكّم الفعلي في مقاليد السلطة بالعراق، فإن زمام قيادة القوات المسلحة العراقية تمّ تسليمه لكبار الضباط والمسؤولين الشيعة.
ويؤكّد عراقيون أنّ “طائفية” القوات العراقية وعدم مهنيتها كان من أبرز أسباب فشلها في صدّ زحف تنظيم داعش على المناطق العراقية صيف سنة 2014، وفي عدم تعاون الكثير من سكان المناطق معها.
وجاء في بيان لوزارة الداخلية العراقية، الأربعاء، “أوعز وزير الداخلية للقائمين بالتحقيق بالتحري الواضح والنزيه.. لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المقصّرين إن أثبت التحقيق ذلك”.
وطيلة الحرب على تنظيم داعش المتواصلة في العراق منذ سنة 2014، كانت تتوارد معلومات كثيرة بعضها موثّق بالصور والشهادات عن انتهاكات بحقّ سكان المناطق التي تدور الحرب فيها، تنسب جلّها لميليشيات شيعية وحتى لعناصر طائفية ضمن القوات النظامية.
وما يصعّب مهمة تحديد الجناة ومعاقبتهم أن الميليشيات ذاتها ممسكة بزمام السلطة في أهم مؤسسات البلاد. وعلى سبيل المثال فإن قاسم الأعرجي
وزير الداخلية الذي أمر بالتحقيق في انتهاكات الموصل ليس سوى قيادي في ميليشيا بدر إحدى أقوى الميليشيات الشيعية المنخرطة في الحرب ضمن ما يعرف بالحشد الشعبي