سياسة

صيحة “الفيلسوف-النجم” ميشال أونفري

تنطوي صيحة أونفري على نبرات حادة، تنبّأت بقرب نهاية الحضارة الغربيَّة، وقد سبق لفلاسفة آخرين ومفكرين بمن فيهم أصدقاؤه الفلاسفة من مختلف الأعمار، أن خصَّصوا ردوداً لصيحته بين مؤيد ومعارض. وأعتقد أن ما أثاره يطرح العديد من القضايا التي لا تزال عالِقة في الفكر الفلسفي منها أساساً: العلاقة بين الإيمان والمعرفة، عودة الدين، موت الحضارة وحياتها. كان لنيتشه صيتٌ مع فكرة العود الأبدي (وأونفري يقتفي أثره كما يصرح)، كما كان لهيجل صيتٌ مع إعلانه نهاية و”موت الفلسفة”.

الحضارة كمفهوم يستوجب إعادة النَّظر أمام التغيرات الحاصلة في عالم اليوم حيث تتجه الأمم نحو التأسيس لما بعد الدولة-الأمة، ورغم أن أوروبا فشلت مؤقتا في تجسيد دستورها وتوحيدها، إلا أن ما تفرضه المؤسسات الماليَّة الدولية ولوبيات عالم المال والأعمال ستضطر أوروبا من جديد إلى مراجعة حساباتها ومصالحها التاريخية، كما أن تكتلات إقليمية وجهوية في مناطق عدة تستعد لمرحلة مابعد معاهدة ويستفاليا.

لهذا فإن صيحة “النجم” تنطوي على نزعة طبيعية غارقة في التماثل المطلق بين الفعل والصنع البشري وبين القانون الطبيعي الذي يحكم كل الكائنات الحيَّة، أو كما تقول حنة آرنت “تم تفسير حركة التاريخ بصورة تماثل الحياة البيولوجيَّة”، حيث تم دمج دنيا التاريخ في دنيا الطبيعة، ودنيا الفناء في الكون الخالد. والحقيقة أن مآسي عالم اليوم في الغرب كما في الشرق هي واحدة ينبغي التصدي لها بحزم.

أما النقاش حول عودة الدين إلى الفضاء العمومي فلا يزال راهناً ولم يحسم بعد، ورغم ما قال عنه تايلر أو هابرماس أو دريدا أو راتسينغر فهناك حاجة إلى فرض قيم علمانية جديدة في مقابل مراجعة جذرية للنيوليبراليَّة وأيديولوجيتها الفاشلة في إسعاد البشر.

إغلاق