مقالات وبحوث

دعاية ‘فاب’ تمدح فكرة الإرعاب

تنتقل السماجة في لبنان براحة تامة من مجال إلى آخر فبعد أن شاعت في مجال الفنون، وكلمات الأغاني والتعبيرات السياسية، نشهد حاليا ظهورا لافتا لها في مجال الدعاية. وتغزو شوارع العاصمة مع اقتراب فصل الصيف دعايات المبيد الحشري “فاب” والتي تعتمد على فكرة تربط بين القضاء على الحشرات وبين الحفاظ على مقومات الشخصية المرعبة والمخيفة.

وتعدّ الشخصية الأساسية التي تعتمدها الدعاية هي الشخصية القاسية والعنيفة، حيث تعرضها عبر نماذج تجمع بين صورة البلطجي وناظرة المدرسة دون أيّ تفريق.

ويعتبر القاسم المشترك الذي تقترحه الدعاية السمجة بين كل هذه الشخصيات هي أن عنصر إثارة الرعب الذي تمثّله، لا يمكن أن يستمر إلا من خلال استعمال المبيد الحشري فاب، لأنه من غير المقبول أن يظهر الشخص المرعب منزعجا من صرصور.

وأثارت هذه الدعاية انزعاجا في وسط المثقفين والمعلمات بينما اعتبرها البعض مرحة وذكية.

وبرز احتجاج على تصوير مديرة المدرسة بشكل نمطي يظهرها وكأنها مسترجلة، إضافة إلى تحليلات تعتبر أن المقصود هو تصوير معلمات اللغة العربية بشكل خاص في صورة بشعة وكريهة.

ولا يمكن أن تخلو أيّ مقاربة عامة لأيّ موضوع في لبنان من توظيف للأزمات في سياق ساخر، من قبيل قراءة تنظر إلى هذه الدعاية بوصفها تعبّر عن أمر غير واقعي، وأنها لا تراعي الخصوصية البرغشية والصراصيرية اللبنانية.

وباتت الحشرات وفق هذه القراءة منسجمة مع الصيغة اللبنانية الفريدة التي تتميّز بالانتشار الكثيف للنفايات، ما جعلها تكفّ عن مهاجمة الناس أو محاولات البحث عن الرزق في أكياس الزبالة المنزلية، بعد أن باتت الزبالة تشكل المشهد العام في البلد.

وتلفت بعض القراءات إلى أن التحليل البيولوجي لتحولات النوع الحشري في لبنان تفترض معالجات جديدة وفاعلة، فالمبيدات الحشرية المستعملة تنطلق من معلومات قديمة تظهر عدم اطلاع القيمين على إنتاجها على تطور جينات الحشرات في لبنان، والتي باتت معها المبيدات من فاب وغيرها بمثابة “بارفان” حشري.

وعادت لغة الحنين إلى الماضي الجميل إلى الواجهة من خلال التعبيرات التي تنظر إلى المبيدات والدعايات المرافقة لها بوصفها اعتداء على الذاكرة الحميمة للمواطن اللبناني، الذي كان يكافح الحشرات عبر وسائل مكافحة شخصية وخاصة من قبيل “الصباط، والشحاطة”، كما أن الأمر كان يتطلب دقة ومهارة لا تتوفر في مستعملي فاب من الجيل الجديد.

وذهبت لغة الحنين بعيدا في الاعتراض على الدعايات، حيث رأت في صور الفتى القويّ وناظرة المدرسة التي تم استعمالها في الدعايات تزويرا للتاريخ الفعلي للمناضلين الأصليين ضد الحشرات، والذين كانوا قادرين على القضاء على أعتى أنواع الصراصير الطائرة في ظل ظروف قاهرة مثل ظروف الحرب الأهلية.

ويكشف منطق التعليقات التي تواكب أيّ ظاهرة عن إحساس لبناني عميق بالعجز عن تغيير الأحوال أو التأثير فيها، ما يجعل السخرية السلاح الوحيد الباقي أمام ما يغرق فيه البلد من أهوال.

إغلاق