صحافة واعلام
تحذيرات واشنطن القوية تجبر الحشد الشعبي على مراجعة خططه
الأميركيون وحيدر العبادي لا يمانعون في تورط الميليشيات بمعارك البعاج الصحراوية.
تراجعت ميليشيا الحشد الشعبي بشكل مفاجئ عن خطتها للسيطرة على الحدود العراقية السورية من جهة الموصل، وأعلنت تعهدا واضحا بتسليم مواقعها لقوات الشرطة العراقية، ما طرح أكثر من سؤال عن سر هذا التغيير المفاجئ.
وربطت مصادر عراقية مطّلعة هذا التراجع باكتشاف الميليشيات الموالية لإيران معطيات ميدانية تمنع من استمرارها في مغامرة التقدم للسيطرة على مواقع جديدة في محيط منطقة البعاج التي شهدت منذ أيام مقتل الجنرال شعبان نصيري أحد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني.
وتحدثت المصادر في تصريح لـ”العرب” عن أن الولايات المتحدة ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لا يمانعان في تورط الحشد الشعبي في معارك منطقة البعاج الصحراوية عند الحدود السورية، لافتة إلى أنها مناطق صحراوية قاحلة، يمكن أن تضيع فيها جيوش كاملة، وهي معاقل تقليدية للجماعات المتشددة، التي تعرف طرقها ومداخلها بشكل تفصيلي.
وتمكنت قوات الحشد الشعبي الأسبوع الماضي من الوصول إلى الحدود العراقية السورية من جهة قضاء البعاج شمال غربي الموصل، وباشرت بإقامة سواتر ترابية على خط الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا لمنع تسلل عناصر تنظيم داعش.
وقالت أوساط عراقية متابعة إن اكتشاف الحشد الشعبي للفخ الأميركي دفع قياداته إلى التراجع بشكل سريع متعللين بأن دورهم يقف عند تحرير المواقع وتسليمها للقوات العراقية التي يتحركون تحت غطائها.
وأعلن القيادي في ميليشيات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس أن الميليشيات ستسلم مواقعها التي كانت قد استعادتها من سيطرة داعش مؤخرا إلى شرطة الحدود العراقية.
جاء ذلك بعد يومين من إعلانه أن ميليشيات الحشد الشعبي مستعدة لدخول الأراضي السورية لمحاربة تنظيم الدولة، مشيرا إلى أن الميليشيات ستتابع أي وجود للتنظيم خارج العراق يهدد الأمن العراقي.
وتعلن حكومة بغداد أن الحشد الشعبي المكوّن في غالبيته العظمى من عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة الموالين لإيران، كجزء من القوات المسلّحة العراقية خاضع لإمرة رئيس الوزراء. غير أن الجميع وعلى رأسهم الولايات المتحدة لا يأخذون ذلك على محمل الجدّ ويعتبرون أن ولاء تلك الميليشيات هو لقادتهم المرتبطين عقائديا وسياسيا وماليا بإيران.
وترى تلك الأوساط أن الميليشيات الشيعية لم تكن لتعبأ بالتحذيرات الأميركية الأخيرة لولا أنها وجدت أن الوقائع على الأرض صعبة، وأن تقدمها في مناطق صحراوية مكشوفة قد يسهل على طائرات التحالف الدولي قصفها خاصة بعد ضربة التنف، وهي رسالة أميركية قوية للميليشيات الشيعية في سوريا والعراق.
أبومهدي المهندس: سنحل خلافاتنا مع البيشمركة بالطرق السياسية لا العسكرية
وبحسب خبراء عسكريين، فإنّ الضربة التي لم تكن سوى عمل محدود يراد من خلاله توجيه رسائل للفاعلين المحليين والإقليميين، أظهرت مدى أهمية المناطق الحدودية في التفكير الاستراتيجي الأميركي الذي يمتد إلى مرحلة ما بعد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وعملية ترتيب النفوذ داخلهما، كما أظهرت مدى جدية واشنطن في منع أي قوى عاملة بالوكالة لمصلحة إيران من السيطرة على مناطق الحدود ونقاط التواصل بين بلدان الإقليم.
وحاولت ميليشيا حزب الله اللبناني فتح طريق من جنوب سوريا إلى إيران عبر الاقتراب من قاعدة التنف الجوية جنوبي سوريا، لكن الطائرات الأميركية قصفت رتلا كان يضم 3 آلاف من مقاتلي الحزب وحلفائه.
وعملت الميليشيات الشيعية على استثمار الوضع الأمني في العراق وسوريا للتقدم بسرعة إلى الحدود للسيطرة عليها وتأمين العبور الإيراني من العراق إلى سوريا إلى لبنان ضمن حلم الهلال الشيعي.
ووصف هادي العامري، القيادي في الحشد المعركة بـ”المعقدة”، قائلا “أطلقنا اسم معركة الحدود لأننا نعتقد أنه بالسيطرة على الحدود يمكن أن نضمن أمن العراق”.
وعبّر العامري عن مدى الترابط بين الوضعين في سوريا والعراق، مؤكّدا أنّ “القتال هنا كأنه قتال في سوريا”.
ويعتقد مراقبون عراقيون أن التراجع المفاجئ لقيادات الحشد الشعبي عن التقدم باتجاه الحدود جاء بعد يوم واحد من التصريحات القوية لمسؤولين أكراد عن أن قوات البيشمركة لن تسمح لأي جهة باختراق مواقع نفوذها في سنجار.
واعتبروه رسالة قوية على أن الأكراد المدعومين أميركيا، مستعدون لمواجهة تمدد الحشد الشعبي، وهي الرسالة التي التقطتها قيادات شيعية وبادرت إلى التأكيد على متانة العلاقة بالبيشمركة والاعتراف بمواقع نفوذها.
وقال المهندس “لدينا علاقات تاريخية مع قوات البيشمركة وننسق معها على مستوى عال”، وأن الخلافات بين الفصيلين القويين “ستحل بالطرق السياسية لا العسكرية، ووفق الاتفاقيات التي وقعت بين الحكومة العراقية وإقليم كوردستان”.
وحذّر المراقبون من أن إعلان الميليشيات تسليم القرى المسترجعة من داعش إلى القوات العراقية قد يكون مناورة هادفة إلى إبعاد الأضواء الإعلامية عن أنشطتها في الحدود بما يسمح لها بالتحرك بحرية، ويجنبها التصعيد مع الأكراد، مستبعدين أن يتوقف الحشد أن أداء دوره كأداة هدفها تحقيق مصالح إيران.
وأشار مراقب عراقي إلى أن مستقبل الحشد الشعبي صار أمرا ضاغطا بالنسبة إلى الزعامات الشيعية مع اقتراب موعد الانتخابات، فهناك من يراهن على الحشد باعتباره القوة الضاربة التي تبقي الحكم بيد ما يسمى بشيعة إيران، وهناك من يشعر بالخطر الذي يمثله انسحاب الحشد إلى المدن ذات الغالبية الشيعية بعد انتهاء الحرب على داعش.
وأكد المراقب في تصريح لـ”العرب” أن الطرفين يفضلان أن يستمر الحشد في أداء مهماته القتالية، حتى لو تطلب ذلك الأمر الزج به في معارك داخل الأراضي السورية، وهو ما يتناقض مع الإرادة الأميركية الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية وهي قوات كردية سورية، يتعاطف معها أكراد العراق.
ولم يستبعد أن يكون الزج بالحشد الشعبي في معارك عبثية في مناطق نائية محاولة من قبل زعمائه للهروب إلى الأمام لتحاشي الاصطدام بالبيشمركة أو مخالفة الأوامر الأميركية.