صحافة واعلام
حماس تلجأ إلى القاهرة تفاديا لإعصار سياسي بالمنطقة
أثارت الزيارة التي بدأها وفد من حركة حماس الفلسطينية إلى القاهرة الأحد تساؤلات عديدة، بالنظر إلى توقيتها الذي تزامن مع تفاقم الأزمة بين قطر من جهة ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة ثانية، وبلوغها مرحلة اللاعودة، وتزايد ضغوط السلطة الفلسطينية.
واللافت أن يحيى السنوار القائد العام في قطاع غزة هو الذي ترأس الوفد الحمساوي، وذلك في أول زيارة يقوم بها للقاهرة منذ أن تقلد منصبه قبل شهرين.
والسنوار هو أحد القيادات البارزة في كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس، وهو ما منح الزيارة بعدا أمنيا خالصا، لا سيما أن الوفد ضم 14 عضوا من قيادات حماس غالبيتهم من العناصر الأمنية، بينهم اللواء توفيق أبونعيم وكيل وزارة الداخلية في “حكومة غزة”.
وقال صلاح البردويل عضو المكتب السياسي للحركة إن “زيارة الوفد تأتي في سياق التواصل والتنسيق المستمر مع الأشقاء المصريين، وبحث الوضع الإنساني في غزة ودور مصر في التخفيف من الحصار، وتطوير العلاقات الثنائية ودراسة آفاق القضية الفلسطينية على ضوء التطورات الإقليمية”.
المبررات التي أوردها بيان البردويل حول الزيارة لم تكن مقنعة للكثير من المراقبين، حيث أكد بعضهم أن الزيارة هدفها الأساسي محاولة الحركة “القفز من السفينة القطرية التي أوشكت على الغرق، بعد اشتداد العواصف السياسية من جانب مصر والسعودية والإمارات والبحرين باتجاه هذه الدولة”.
وسبق أن انقلبت حركة حماس على نظام الرئيس بشار الأسد الداعم الرئيسي لها قبل اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، وهذا تحول إلى ديدن الحركات الإسلامية عامة.
ومعلوم أن الدوحة هي أحد الرعاة الرئيسيين لحركة حماس وتحتضن العديد من قياداتها منذ 2012، وقد أوردت وسائل إعلام إسرائيلية، أن قطر وفي خضم الأزمة المزدوجة التي تعيشها رحلت عددا من تلك القيادات خاصة الذين لديهم ارتباطات بالضفة الغربية على غرار صالح العاروري رغم نفي الحركة لذلك.
وذكرت مصادر أمنية أن زيارة السنوار تهدف إلى التفاهم مع القاهرة وإعادة ترتيب الأوراق بناء على المستجدات الخطيرة التي تطال راعيتها، والتي يمكن أن تضع الحركة في خانة ضيقة جدا، إذا واصلت التصاقها بقطر، أو حتى ناورت بالتقارب مع طهران، بعد صدور تصريحات إيرانية رحبت بقيادة إسماعيل هنية للمكتب السياسي للحركة، واعتبرتها بادرة جيدة لها.
وكانت آخر زيارة قام بها وفد من حماس للقاهرة في يناير الماضي، وبحث وقتها الجانبان فتح معبر رفح وزيادة الإجراءات الحدودية، ثم أعلن الأمن المصري تعزيز الإجراءات على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر.
وأكد سمير غطاس الخبير في الشؤون الفلسطينية وعضو البرلمان المصري أن أهمية الزيارة تتمثل في أنها تعطي الفرصة لمصر لاستكشاف طبيعة السنوار وفهم توجهاته الخاصة، في ضوء الموقف الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في القمة الإسلامية العربية الخليجية أمام 55 دولة بأن حماس هي حركة إرهابية.
وأشار إلى أنه في ظل الأزمة الطاحنة التي تمر بها قطر حاليا، فإن حماس سوف تضطر إلى إعلان تبرؤها من الدوحة، خاصة بعد انكشاف أن الأخيرة تأخذ تعليمات مباشرة من إسرائيل بضرورة الحفاظ على حماس.
سمير غطاس: أهمية الزيارة تكمن في إعطاء الفرصة لمصر لاستكشاف طبيعة السنوار
ولفت إلى أنه يبدو في الظاهر أن هناك تناقضا في العلاقة الحميمة بين قطر وإسرائيل وقطر وحماس، لكن حقيقة الأمر أن الدوحة تتولى تمويل المشروع الإسرائيلي لإبقاء حماس في قطاع غزة، وعزله عن الضفة الغربية، والإبقاء على الحركة بجانب مصر حتى تشكل تهديدا دائما لأمنها.
وذكرت مصادر سياسية بالقاهرة أن الزيارة على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إلى حركة حماس، لأنها تعكف على إعادة النظر في علاقاتها الإقليمية بعد التطورات الحالية، وتريد أن تزيل العقبات السياسية التي تعتري طريق رئيسها الجديد إسماعيل هنية الذي لدى مصر هواجس تجاه ميوله ناحية قطر وإيران.
زيارة وفد حماس جاءت أيضا في ظل وضع أمني حرج في شبه جزيرة سيناء، حيث يستمر تسلل العديد من العناصر الإرهابية عبر الأنفاق المشتركة مع غزة بوتيرة متسارعة، فضلا عن تصاعد الاشتباكات بين تنظيم داعش وقبيلة الترابين التي وجهت أصابع الاتهام إلى حماس بدعمها المتشددين، وتضييقها حركة فرع الترابين في غزة الذي يقف ضد التكفيريين هناك.
ويرى خالد عكاشة مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية أن الزيارة في المقام الأول أمنية، مشددا على أن المؤشرات المتوافرة لا تدل على أن الوضع سوف يسير نحو الأفضل بين مصر وحماس، وعلى الأخيرة تقديم أدلة قطعية تثبت حسن نواياها، وأهمها تسليم مطلوبين أمنيين لمصر فروا إلى غزة خلال السنوات الماضية.
وقال إن الحركة تحتاج لمصر أكثر مما تحتاج مصر لها في ظل المآزق الداخلية والخارجية العديدة التي تواجهها حماس والتي قلصت هامش المناورة أمامها.
وصعدت السلطة الفلسطينية في اليومين الأخيرين من حملتها ضد حماس، حيث قامت الاثنين بتجميد رواتب 47 نائبا حمساويا في الضفة الغربية، وقبلها بيوم تم تجميد رواتب 270 من الأسرى المحررين المبعدين لقطاع غزة والذين ينتمي معظمهم للحركة الإسلامية.
وفي الفترة الماضية عمدت السلطة برئاسة محمود عباس إلى وقف دفع ثمن الكهرباء لغزة، واقتطعت 30 بالمئة من رواتب الموظفين في القطاع، في خطوة قالت عنها آنذلك إنها تمهيدية لسلسلة من الإجراءات المتصاعدة، ما لم توافق الحركة على شروطها.
وتطالب السلطة الفلسطينية الحركة بتسليم قطاع غزة الذي تسيطر عليه منذ 2007 لحكومة الوفاق.
ويتوقع أن يطلب الوفد الحمساوي من السلطات المصرية التدخل لتخفيف ضغوط عباس، وهنا يتساءل مراقبون عن الثمن الذي قد تضطر لدفعه الحركة، والبعض يتوقع أن تقدم على خطوات أمنية رفضتها من قبل، أهمها ما يتعلق بسد جميع الثغرات التي يتسلل منها الإرهابيون إلى سيناء، والكشف عن مصير 3 من الضباط المصريين، قيل إن كتائب عزالدين القسام تقف خلف اختطافهم منذ سنوات.