العراقجمعيات ومنظماتدول الخليجسلايد 1
العراق :من يخلف بارزاني بعد تحوله من مسؤول رسمي إلى رمز قومي
تنحى مسعود بارزاني من منصبه كمسؤول رسمي يحمل صفة رئيس إقليم كردستان العراق، وجاء اتخاذ هذا القرار المر كمحصلة نهائية لتعاطيه الشجاع مع ضغوط الظروف الموضوعية الناجمة عن اصطدام نتائج استفتاء الاستقلال بجدار الرفض الداخلي والإقليمي والدولي، رغم تصويت الأغلبية الساحقة للشعب الكردي لصالح طموح الاستقلال الذي طالما حلم به الكُرد منذ عقود في العراق وإيران وتركيا وسوريا.
إن انسحاب بارزاني من منصبه الرسمي لا يعني بالضرورة انسحابه من العمل السياسي ومن موقعه الرمزي كأحد أبرز قادة الكُرد، بل هو مجرد إجراء لتبادل الأدوار لشخصية “قانونية منتخبة” وعودتها إلى دورها كشخصية “قومية كاريزمية” رفعت وترفع راية الطموحات الكردية، ليس في العراق فحسب بل في كافة أجزاء كردستان.
ورغم ذلك هناك تضارب في الآراء حول تقييم إصرار بارزاني على إجراء الاستفتاء رغم معارضة خصومه ونصح أصدقائه الإقليميين والدوليين له بتعويقه.
بارزاني بين الشرعية القانونية والشرعية السياسية
وبهذا الصدد يرى الصحافي الكردي الإيراني سامان رسول بور، المقيم في لندن، أن بارزاني لم يكن يتمتع بالشرعية القانونية لإجراء استفتاء استقلال كردستان، إلا أنه استند إلى شرعيته السياسية والاجتماعية للقيام بذلك، ولكن بعد الانتهاء من عملية الاستفتاء عاد مرة أخرى إلى شخصيته كرجل يخضع للقانون، مؤكداً استعداده للرحيل من منصبه.
ويرى رسول بور أن المفارقة في تنحي بارزاني تظهر في خضوعه بشكل ما للقانون، والتزامه بالأسس الديمقراطية من جهة، وتخليه عن مضاعفات الاستفتاء في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية من جهة أخرى، ذلك الاستفتاء الذي هندس له شخصياً ولقي دعماً شعبياً من الأغلبية الكردية في الإقليم.
ويستنتج رسول بور أن الانسحاب الطوعي من رئاسة الإقليم حتى إذا كان لصالح العملية الديمقراطية في كردستان إلا أنه لن يؤدي إلى رأب الصدع ولن يزيل الخلافات العميقة بين أربيل وبغداد.
بارزاني يودع
عراق ما بعد صدام ليس كعراق بعد “داعش”
وبعد سرده الأهمية السياسية التي نالها الكُرد والنجاحات الاقتصادية التي حققوها بعد تشكيل إقليمهم الفيدرالي إثر إسقاط النظام السابق في العراق، يرى رسول بور أن عراق اليوم “بعد داعش” ليس كعراق بعد سقوط النظام السابق، حيث يواجه البلد بما فيه الإقليم الكردي حالة تراجع على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وتحول البلد بمجمله إلى ساحة مفتوحة أمام إيران، على حد تعبيره. وأضاف أن إقليم كردستان لم يستطع هو الآخر خلال الـ 12 سنة الماضية أن يبلغ الاكتفاء الذاتي المطلوب، مؤكداً أن الكُرد لم يتمكنوا عملياً منذ 1991، أي سنة استلامهم إدارة الإقليم إلى يومنا هذا أن يربطوا مصالحهم الاستراتيجية بالقوى الإقليمية والدولية، وجاء الاستفتاء ليجعلهم يدركون هذه الحقيقة.
وفي الوقت نفسه، يشدد الكاتب على أنه لا يجوز إلقاء اللوم بأكمله على مسعود بارزاني بشأن الاستفتاء، لأن دول الجوار لن تتردد قيد أنملة في فرض الحصار والمقاطعة على الإقليم دعماً لمصالحها السياسية والأمنية، ولهذا السبب يتنحى بارزاني ويعيش كردستان أزمة داخلية وعلاقات سيئة مع الجوار وهو يواجه انحسارا اقتصاديا وتراجعا سياسيا.
وعلى الرغم من ذلك يرى رسول بور أن الكثير من أنصار السيد بارزاني يرون في الاستفتاء حول استقلال كردستان اعتزازاً تاريخياً لـ”كاك مسعود”، لأنه تمكن من صنع “ذاكرة جماعية” ودفع الطموحات الكردية خطوة إلى الأمام وإلى محطة متقدمة أكثر، ولكن ضغط الظروف الموضوعية المعاكسة وقف بوجه طموحات 93% من الذين صوتوا للاستقلال وله، وتسبب ذلك في أن تنحسر المساحات الجغرافية والسياسية والاقتصادية للإقليم.
من الذي يخلف بارزاني؟
وبعد تنحي بارزاني كرئيس لإقليم كردستان، زادت التكهنات حول من يخلفه على ضوء التكتلات في الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي من جهة، والمنافسة بين الحزب والأحزاب الكردية الأخرى، خاصة الاتحاد الوطني الكردستاني.
وبهذا الصدد نشر الكاتب الصحافي الكردي السوري رشاد عبدالقادر تقييماً للتطورات الأخيرة التي شهدها إقليم كردستان العراق على صفحته في “فيسبوك”، نبه من خلاله الكُرد إلى ضرورة التعاطي الواقعي مع الأصدقاء، وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية التي توقع الكثيرون أن تدعم الكُرد ليس في مطالبتهم بالاستقلال بل لتحذير خصومهم الإقليميين من المساس بالإقليم.
فكتب يقول: “المشاعر الطيبة التي قد يحملها البعض في أميركا تجاه الأكراد وما تعرضوا له من إساءة وحرمان من الحقوق السياسية الأساسية، لا يعني أن السياسة الخارجية الأميركية تقوم على معايير أخلاقية مجردة، بل على التعامل مع الأمر الواقع ومع الأدوار التي تلعبها أطراف الأزمة المعنية (تركيا، العراق، إيران) في السياسة العالمية”.
وتحت عنوان “جينات الآباء في دم الأبناء”، حدد المنافسة على زعامة الكُرد في العراق بين 3 شخصيات، وهم بافل طالباني، نجل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، ومسرور بارزاني رئيس الاستخبارات الُكردية (آسايش) ونجل مسعود بارزاني، ونيجيرفان بارزاني، رئيس وزراء الإقليم ونجل إدريس بارزاني، الشقيق الأكبر لمسعود بارزاني.
بافل طالباني
بافل طالباني
وبخصوص بافل طالباني، كما يشير الكاتب أيضاً لا يُعرف عنه الكثير، فقد ظل على مدار سنوات ظلاً لوالده الراحل مام جلال، وتعلم منه كيف يصلي خلف علي ويأكل على سماط معاوية، على حد تعبيره.
وأضاف أنه خلال فترة مرض والده، برز بافل أكثر بوصفه ذاك “الصمغ” الذي يجمع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني المنقسمين على أنفسهم، نظرا لما يمتلك من علاقات جيدة مع الجميع، وهو مثل والده ليس له أصدقاء أو أعداء وليس له صفة رسمية غير رئاسة “وحدة مكافحة الإرهاب”، الوحدة التي ليس لها دور واضح لذلك يمكنها التدخل في كل شيء.
وهنا يشير الكاتب إلى المرأة الحديدية في الاتحاد الوطني الكردستاني التي تلعب دوراً ملموساً ومؤثراً من خلف الكواليس، وهي السيدة هيرو إبراهيم أحمد زوجة الرئيس الراحل مام جلال ووالدة بافل “التي خربت علاقتها مع العديد من قادة الاتحاد الوطني الكردستاني، إلا أن بافل استطاع أن يبني علاقة جيدة مع كل من برهم صالح وكوسرت رسول، فهو كوالده لا يكل ولا يمل من بناء العلاقات مع منافسيه”، على حد قول الكاتب الذي يتوقع أن مهارة بافل في عقد الصفقات، وآخرها صفقة تسليم كركوك التي وسمته بـ”الخيانة العظمى”، ويستنتج أن هذه الصفات تساعد بافل طالباني أن يكون منافساً بارزاً على الزعامة في كردستان بعد أن “يخرج سالماً من ورطة تسليم كركوك كخروج الشعرة من العجين”.
مسرور بارزاني
مسرور بارزاني رئيس الإستخبارات الكردية
أما بخصوص مسرور بارزاني، رئيس استخبارات الإقليم الذي يتصف برجل المخابرات الأقوى الطامح في الخلافة فيقول الكاتب بأنه يشبه والده، فجينات مسعود تلعب في دمه، إلا أنه ليس رجل الدبلوماسية ومثل والده لا يستسيغ ألاعيب السياسيين كثيراً، لذلك ربما كان من الخطأ تسليمه ملف الاستفتاء الذي كان يأمل من ورائه تنصيب نفسه الفائز الأكبر، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفينته، إلا أن هذا لا يعني أنه الخاسر الأكبر، فهو أيضاً مثل والده سيقاوم حتى اللحظات الأخيرة، وربما يقف القدر إلى جانبه كما وقف إلى جانب والده مسعود عندما استلم الزعامة بعد وفاة ملا مصطفى بارزاني عام ١٩٧٩ بدلاً من أخيه الأكبر إدريس.
ويضيف أن الإمبراطورية الاستخباراتية التي بناها مسرور طوال سنوات منافسته على حق الخلافة مع ابن عمه نيجيرفان بارزاني، نجل إدريس بارزاني، ترك الكثير من أوراق اللعبة بين يديه ومثله مثل بافل، وجه فشل الاستفتاء ضربة قوية له بحكم كونه الشخص الذي كان يدير ملف الاستفتاء، لكنها ليست ضربة قاضية.
نيجيرفان بارزاني
نيجيرفان بارزاني
أما الشخصية الثالثة المرشحة لخلافة مسعود بارزاني، فيرى رشاد عبدالقادر أنه رغم خوضه المنافسة إلا أنه بحكم جينات والده أيضاً يمتلك الكثير من نقاط الضعف. فوالد نيجيرفان، إدريس، الذي خسر معركة الزعامة أمام أخيه الأصغر مسعود، كان بارعاً في الدبلوماسية وبناء العلاقات مع الخصوم، فقد كان دائماً سفير والده ملا مصطفى بارزاني إلى خصمه جلال طالباني، لكن نيجيرفان تعلم الدرس من والده، ولا ينوي التسليم أمام منافسه مسرور كما فعل والده قبل 38 عاماً عندما استسلم لقوة مسعود الاستخباراتي، فالرجل عمل بهدوء طوال نحو عقدين ببناء إمبراطورية اقتصادية حيث يعد مهندس نهضة الإقليم، وإعلاميا يمتلك قناة روداو، ودبلوماسيا لديه شبكة واسعة من العلاقات في تركيا وبغداد وإيران، وعائليا هو صهر مسعود بارزاني وابن أخيه.
وحول تفاصيل الشد والجذب المحتمل بين أبناء العمومة يرى الكاتب أن نقطة ضعف نيجيرفان كرجل أعمال أمام مسرور هي أن البيزنس والدبلوماسية كثيراً ما يقومان على الفساد، ودائرة نيجيرفان بارزاني فيها الكثير من الفاسدين، ما يترك الباب أمام مسرور للتدخل في دائرته كلما شاء بدعوى مكافحة الفساد مفتوحاً، مضيفاً “صحيح أن “الفساد” نقطة ضعف نيجيرفان لكنها نقطة قوته أيضاً، فهو يعلم أن البقاء في السلطة إنما يقوم على بناء شبكة من المساندين وربطهم بشبكة من المصالح”، وجاء فشل الاستفتاء الذي كان يعارضه في الدوائر المغلقة، ليعطيه دفعة قوية، خاصة أنه الوحيد تقريبا القادر على إعادة بناء العلاقات مع تركيا بحكم علاقته مع أردوغان وإيران وربما بغداد أيضاً.
ويبدو أن حظوظ هذه الشخصيات الثلاث هي الأكبر بين جميع السياسيين الكرُد في العراق، وثمة احتمال أن يتزعم أي منها الإقليم الكُردي نحو المستقبل في المرحلة الحرجة الراهنة بغية اجتياز الساحة السياسية – الأمنية الملغمة بالمفاجآت، خاصة أن العلاقات بين أربيل وبغداد أصبحت أكثر تعقيداً مما كانت قبل الاستفتاء، والجوار الإيراني والتركي بات أكثر حساسية تجاه الإقليم بعد أن أيقظ الاستفتاء الكُرد في البلدين لرفع سقف مطالبهم القومية.
وفي هذا الوسط يبقى بارزاني رغم كافة التقييمات رمزاً كردياً لا منافس له، ومؤثراً على الوضع في كردستان، نظراً للشعبية التي يمتلكها ولا ينافسه أحد حولها.