سلطنة عمان
سلطنة عُمان مفتاح حل أزمة مضيق هرمز.. وإحلال الاستقرار في المنطقة
تنطلق السياسة الخارجية العُمانية من مرتكزات ثابتة تقوم على عدد من الأسس التي أسهمت في أن تصبح عُمان واحة من واحات السلام الإقليمي والعالمي، فقد اعتمدت على مبادئ أساسية تقوم على حسن الجوار في محيطها الإقليمي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ورفض تدخل الغير في شؤونها الداخلية، والعمل على توثيق العلاقات وبنائها على قاعدة المصلحة المشتركة والتعاون البناء المثمر.
بالإضافة إلى سياسة النأي بالنفس التي اتبعتها السلطنة طوال أكثر من أربعة عقود، وعدم الخوض في صراعات تعطل مسيرتها في البناء، بل سعت بكل جهد وإخلاص إلى احتواء الأزمات بين أطراف إقليمية ودولية، وكانت الباب المفتوح للدبلوماسية، إذا أغلقت نبرات الصراع بقية الأبواب المباشرة.
وحتى في طريق الدبلوماسية الذي اتخذته سلطنة عُمان ديدنها، ابتعدت بشكل واضح عن اللغة الحادة المتشحة بتشنجات تعطل الحلول، وسعت إلى المضي قدما في علاقات متوازنة مع كافة اللاعبين الإقليميين والدوليين، وكانت هذه اللغة هي طريقها الناجع لما حظيت به من احترام وعلاقات دافئة مع الجميع، دون التحزب.
وعملت عُمان على إعلان تلك السياسة للجميع، بشكل يوضح موقفها ويظهر سياستها بوضوح، لدرجة جعلت الفاعلين في السياسة الخارجية العالمية، يتوافدون على مسقط، إذا لاحت في الأفق سحب الأزمات، أو اتجهت نحو العسكرة، فيجدون في مسقط النية الصادقة في الإصلاح، وإعادة السلام، الذي يعد أبرز منطلق لعلاقاتها مع العالم، وهو سلام قائم على أفكار خارج الصندوق، تعتمد على القانون الدولي وعلى المبادئ الإنسانية، والأعراف الدولية والدبلوماسية، والعمل على التوفيق على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
هذه الثوابت العُمانية الراسخة انطلقت من إيمانها بأن الصراع بكل أشكاله، وعدم التعاون البناء يعوق مصالح الشعوب، ويعيق مسيرة البناء، مما ينعكس سلبا على الشعوب، التي تتعطش للرفاهية والعيش الرغد، بدلا من الدخول في صراعات.
ويرى محللون أن بناء الإنسان ورفاهية الشعوب هي رسالة آمن بها السلطان قابوس وحملها على عاتقه، منذ توليه الحكم، وأسس سياسته الخارجية على هذا الأساس، حيث أكد على ضرورة تركيز القسط الأوفر من اهتمام الدول وجهودها على الأمن والاستقرار اللذين يشكلان أداة خصبة للبناء والتنمية.
فالإنسان وفق الرؤية العُمانية هو غاية التنمية، يجني ثمارها ويسعد بمكاسبها، هو أيضا وبنفس المستوى من الأهمية وسيلة التنمية وأداتها الفاعلة لتجسيد خططها وبرامجها إلى واقع ملموس يحقق الخير للجميع، وأن تعزيز المبادئ والمعايير الأخلاقية، حيث يدعو دائما إلى المشاركة في البناء، الذي يرتكز على التضامن بين الجميع، ويحترم التنوع والخصوصية لكل شعوب الأرض.
ولعل الأحداث التي تمر بها المنطقة، خصوصا في مضيق هرمز تؤيد هذا التوجه العُماني، حيث حرصت السلطنة على إصدار بيان حول الأزمة وتأكيدها على حقها أولا في مياهها الإقليمية، وحق الجميع في حرية الملاحة العالمية بالمضيق، ودعت جميع الأطراف إلى التوجه الدبلوماسي، لتأتي زيارة يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسئول عن الشؤون الخارجية إلى العاصمة الإيرانية، لتؤكد حرص السلطنة الدائم على السلام الإقليمي والدولي وفق القواعد والأسس القانونية والإنسانية، حيث أكد بن علوي خلال الزيارة على أهمية إرساء السلام واستتباب الأمن في المنطقة وعلى ضرورة احترام الجميع للمقررات والقوانين الأمنية للحفاظ على امن الملاحة الدولية، ونبذ العنف والأساليب التي تؤدي إلى توتر الأوضاع وتعقيد الأمور بين دول المنطقة.
وقد جاءت محادثات يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسئول عن الشؤون الخارجية، مع المسئولين الإيرانيين في طهران مطلع الأسبوع الجاري، في إطار الرؤية العُمانية لإيجاد حلول مناسبة تسهم في حفظ السلام والاستقرار في المنطقة وسلامة حرية الملاحة عبر مضيق هرمز.
وأكد الوزير العُماني خلال لقاءاته على أهمية إرساء السلام واستتباب الأمن في المنطقة وعلى ضرورة احترام الجميع للمقررات والقوانين الأمنية للحفاظ على أمن الملاحة الدولية .
وبالنسبة لسلطنة عمان فإن مضيق هرمز يعد جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي وامتدادا لسيادتها الوطنية, حيث يعد من الناحية الإستراتيجية والأمنية (مضيقا عُمانيا يستخدم للملاحة الدولية وينطبق عليه حق المرور العابر وحق المرور البريء الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في المادة 36 لعام 1982م.
وباستثناء حق المرور العابر، فإن المضيق يخضع كلياً لما تخضع له باقي المجالات البحرية العُمانية نظرا لوقوع الممرات البحرية في المياه الإقليمية العُمانية بحيث تمارس السلطنة عليه سيادتها على المجالات البحرية العائدة لها والقاع وما تحت القاع وعلى الحيز الجوي الواقع فوق هذه المجالات, غير أن ممارسة هذه السيادة يجب أن لا تمس بحقوق الدول الأجنبية في المرور العابر).
وفي هذا السياق وقعت سلطنة عمان وإيران بلاغا مشتركا في مارس 1974 للتعاون المشترك من أجل الاستقرار وسلامة الملاحة عرف باسم الدوريات المشتركة, كما وقعت في نفس العام اتفاقيات تحديد الجرف القاري.
لذا كانت وجهة نظر سلطنة عُمان واضحة وصريحة منذ يوليو 1970، تجاه أمن وسلامة واستقرار منطقة الخليج العربي بوجه عام ومضيق هرمز بوجه خاص, وذلك انطلاقا من نظرة شاملة للأمن القومي العربي الاستراتيجي من جهة ونظرة متوازنة بين الحقوق السيادية العُمانية والمصالح الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
وقد أكد السلطان قابوس في لقائه مع مجلة المجالس الكويتية عام 1973 أن مضيق هرمز هو ممر مائي دولي, ولا تقبل السلطنة بأي وجود أجنبي فيه، وهو ما يحمل دلالة الأهمية الإستراتيجية والسيادية الوطنية لهذا الجزء من العالم الجيوسياسي.
كان للحرب الإيرانية ـ العراقية والتي اندلعت في عام 1980وامتدت لثماني سنوات، الدور البالغ والمحفز لرفع الوعي العُماني من جهة، والوعي الإقليمي والدولي من جهة أخرى تجاه أهمية وحساسية مضيق هرمز, وكذلك الانعكاسات الخطيرة لأي حالة غير مستقرة في محيطه, والتي يمكن أن تؤدي إلى إغلاقه أو إلى تضييق أو تحرك غير سلمي فيه.
وأكد السلطان قابوس هذا البعد المقلق في لقاء صحفي له مع مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا عام 1981 بقوله (إننا بوابة الجزيرة العربية وطريق النفط وتستطيع أية طائرة في القرن الإفريقي أو في كابول أو في طشقند أن تطير إلى مسافة 450 ميلا بحمولة من الألغام البحرية في مضيق هرمز فيقفل المضيق ويختنق شريان الغرب الاقتصادي).
وفي ظل المتغيرات المتسارعة والتحولات الخطيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، أكد السلطان قابوس هذه الرؤية عام 1982م بقوله حينها (لا اعتقد أن المضيق يمكن أن يغلق بسهولة, ولكن في المقابل ليس من المستحيل على أي كان أن يجعل هذا المضيق عرضة للخطر, وأبسط شيء مثلا القيام بزرع ألغام في المضيق, أو حتى مجرد إشاعة من هذا القبيل ستؤدي إلى تعطيل مرور السفن. لا أعتقد أن الأمر سيكون بهذه السهولة, ولكن لا بد من حساب كل الاحتمالات).
على ضوء ذلك اعتبرت سلطنة عُمان نفسها بوابة لأمن واستقرار الجزيرة العربية، وتحملت نتيجة إيمانها بهذا البعد الاستراتيجي العربي العديد من التحديات.
وفي عام 1985 جدد السلطان قابوس رؤيته بأن أمن المضيق سيبقى مسؤولية جماعية, وأن عمان لن تكون طرفا متطرفا في رأيها أو رؤيتها تجاه ذلك أبدا, ولذلك كما قال ردا على سؤال الصحفي المصري الراحل إبراهيم نافع صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 21 / 1 / 1985, ما هو تقدير جلالتكم لمدى الخطر الذي يهدد مضيق هرمز الآن وخاصة بعد اشتعال حرب الناقلات بين إيران والعراق, وما هو موقف عُمان في حالة إغلاق المضيق؟ فكان رد قابوس: (في هذه الحالة فإننا ينبغي من خلال مجلس التعاون الخليجي أن نجتمع ونبحث كيف يمكن مواجهة هذا الموقف، لذلك فإنه لن يكون لعُمان موقف فردي إزاء هذه الحالة، وإنما لا بد أن يكون هناك موقف جماعي).
يبقى القول أن سلطنة عُمان تعمل دوما على دعم سلامة الملاحة البحرية العالمية ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، شاركت البحرية السلطانية العمانية مختلف دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للهيدروغرافيا الذي يوافق الحادي والعشرين من يونيو من كل عام، حيث كان شعار العام “الهيدروغرافيا مفتاح الإدارة الجيدة للبحار والممرات المائية”.
وتتجسد الغاية من اليوم العالمي للهيدروغرافيا في حث جميع الدول على تعزيز الملاحة الآمنة في الممرات المائية الدولية والموانئ وأماكن تواجد المناطق البحرية المعرضة للخطر أو المحمية.
(الأمة)