مقالات وبحوث
انعكاسات حرب روسيا على أمن دول منطقة الخليج العربي
بقلم : أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
أحدثت حرب روسيا على أوكرانيا بعد أكثر من عام هزة عنيفة بتحولات دولية وإقليمية بارزة تعيد تشكيل النظام العالمي وحتى الإقليمي بتحالفات وتحولات واسعة وغير مسبوقة في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل حوالي ثمانية عقود. وتساهم بتسريع تحول النظام العالمي نحو التعددية القطبية Multi-Polarity International System-التي بدأت قبل أكثر من عقد من الزمن- وذلك حسب دراسات أمنية واستخباراتية أميركية تُنشر من أجهزة الاستخبارات الأميركية وخاصة
National Intelligence Council -منذ عام 2012.
وكذلك تحتل وتشغل حرب روسيا على أوكرانيا الأولوية في مقاربات الولايات المتحدة والغرب كأولوية في القضايا والتحديات والتهديدات الدولية-ما يهمش القضايا والتهديدات المهمة التي تؤثر على الأمن الإقليمي في عدة أقاليم ودول بما فيها منطقة الخليج العربي. مع جمود التفاوض حول ملف إيران النووي-ولكن المفاجأة نجاح وساطة الصين إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران خلال شهرين. بعد ترقية إيران لتهديد وخطر السعودية من حليف لأميركا إلى مصدر لتحدي ومواجهة الولايات المتحدة الأميركية.
ما يقلق حلفاء أمريكا في المنطقة-خاصة بعد انكفاء أمريكا وانسحابها المرتبك والفوضوي من أفغانستان-وإلقاء حرب روسيا على أوكرانيا تباين وانتقادات أمريكا لدول أوبك وصل حتى باتهامات إدارة بايدن وقوف مجوعة أوبك بلس بصف روسيا وسط انتخابات التجديد النصفي بعد خفض انتاجها النفط ب2 مليون برميل نفط يومياً- والتوعد بمراجعة العلاقات معها!
وكذلك تساهم الحرب بإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط والفاعلين فيها من دول مجلس التعاون الخليجي-إسرائيل-إيران-وتركيا- بين دعم روسيا (إيران بمسيرات وصواريخ وأنظمة دفاع صاروخي وتشكيل تحالف عسكري) أو أخذ موقف الحياد (دول مجلس التعاون) أو التوسط برغم تزويد أوكرانيا بمسيرات (تركيا).
لكن في المقلب الآخر، برغم تداعيات الحرب بتعزيز وترقية مكانة وأهمية دول مجلس التعاون كشريك موثوق للغرب للولايات المتحدة وأوروبا-وكمصدر للطاقة، ولعب دور مهم في طمأنة الدول الصناعية الكبرى بالجدية ببذل جهود فردية وجماعية بتعويض النقص في امدادات الطاقة من نفط وغاز، وذلك بعد فرض عقوبات على روسيا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي-وفرض روسيا مقاطعة على بعض الدول التي تشارك في دعم أوكرانيا-حتى لا يتضرر أمن الطاقة.
حيث تسببت حرب روسيا بأزمة حادة بأمن الطاقة ما يهدد النمو الاقتصادي والاقتصاد العالمي ككل. وذلك بعد تراجع مكانة ودور دول منطقة الخليج العربي على صعيد توفير الطاقة بسبب النفط والغاز الأحفوري. ومع ذلك تجد دول مجلس التعاون الخليجي نفسها تتبع إستراتيجية الحياد الإيجابي بعدم استفزاز الولايات المتحدة وحلف الناتو والغرب من جهة وعدم تحدي روسيا من جهة ثانية. في تطبيق لمقولة «عندما تتصارع الفيلة يموت العشب»!
ما يضع دولنا الخليجية في موقف صعب، خاصة في حال طالت مدة الحرب التي تحولت لحرب بلا أفق وحرب استنزاف لجميع الأطراف المشتبكة كما هو متوقع من مجريات المعارك الطاحنة. حتى الانتصارات المحدودة تأتي بفواتير وبكلف عالية وبثمن باهظ كما يجري حالياً في باخموت-شرق أوكرانيا-برغم عدم أهميتها الاستراتيجية، والتي لم تنجح القوات الروسية مع مرتزقة فاغنر الروسية سوى بالسيطرة على أجزاء منها بعد أشهر من الحرب الضارية والمدمرة.
لكن في ظل تنامي التحالف العسكري بين روسيا وإيران بالتنسيق وتبادل المعلومات والخبرات والأسلحة وآخرها ما أكدته الولايات المتحدة من تزويد روسيا إيران بأسلحة جافلين المتطورة المضادة والمدمرة للدبابات والدروع، تُحمل على الكتف. وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات لدراستها ومعرفة كيفية التعامل معها في حال مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران-وكذلك عمل روسيا على تسليم إيران 24 مقاتلة سوخوي-35 المتطورة-كانت مخصصة لمصر ولكن بسبب الضغط الأميركي على مصر لم يتم تسليمها، وهي مقاتلات أقل كفاءة وقدرة من المقاتلات الأميركية التي بحوزة دول مجلس التعاون وإسرائيل. وكذلك هناك نقاش عن تزويد روسيا إيران بمنظومة الدفاع S-400–المتطورة المضادة للمقاتلات-ما يشكل أكبر تحديث لسلاح الطيران الإيراني منذ عقود ويعزز قدرات إيران ويمنحها مزيد من الثقة والجرأة للتحدي.
لذلك يشكل تنامي التحالف الروسي-الإيراني بمسيرات إيرانية لروسيا والتخطيط لبناء مصنع لإنتاج آلاف المسيرات الإيرانية شاهد-136 ستؤثر على الأمن الخليجي بشكل عام. وسط استقطاب دولي بين أمريكا وحلف الناتو والغرب من جهة، وبين روسيا وحلفائها روسيا البيضاء وكوريا الشمالية وإيران، ولا يصب ذلك في مصلحة دولنا الخليجية!
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا بلا أفق وتحولها لحرب استنزاف، سيمتحن طول أمد الحرب التي دخلت عامها الثاني بنزف بشري ومعدات مالي لجميع الأطراف المشتبكة، مدى قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على البقاء على الحياد الإيجابي! وعدم دفع المنطقة لمزيد من الاحتقان والتصعيد. وهذا يسمح لدول مجلس التعاون الخليجي بالطلب من روسيا إعادة النظر بتزويد إيران بتلك الأنظمة العسكرية المتطورة حتى لا تخل بموازين القوى في منطقة الخليج.
لكن التطور الملفت وغير المتوقع بحجمه وسرعته هو الاتفاق بين السعودية وإيران صدر في بيان مشترك صيني-سعودي-إيراني بعد مباحثات بوساطة صينية سبقتها جولات مباحثات في العراق وسلطنة عمان، تتوجت باتفاق ينهي قطيعة ومواجهات سبعة أعوام. وتم الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء وفتح السفارات والبعثات الدبلوماسية في مدة أقصاها شهران وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001- بين السعودية وإيران، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ما يؤمل أن يخفض التوتر في المنطقة إذا افضى لاستئناف العلاقات إلى تهدئة وانفراجه في الملفات المعقدة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. ما سيحقق كما علق وزير الخارجية الصيني بين السعودية وإيران سيعد انتصاراً للسلام. سنرى!