صحافة واعلام
اختراق مواقع إلكترونية حكومية يؤكد انكشاف مؤسسات الدولة العراقية
قرصان حصل على ستة آلاف من مراسلات سرية لجهاز أمني مرتبط برئاسة الحكومة.
تعرضت عدة مواقع إلكترونية للحكومة العراقية، الجمعة، إلى عملية اختراق كشفت مجدّدا هشاشة المؤسسات في هذا البلد الذي جعله ضعف الإدارة واستشراء الفساد في مفاصل الدولة منكشفا أمام مختلف أنواع الاختراق والتهديدات الافتراضي منها والواقعي.
وتم الاختراق من قبل قراصنة يبدو أنهم عراقيون مستاؤون من اعتقال زميل لهم من قبل جهاز الأمن الوطني المرتبط برئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي.
وكان القرصان المعتقل يريد من عمليته تحذير الأجهزة الأمنية من انكشاف مواقعها الإلكترونية وما يمثّله ذلك من مخاطر أمنية.
وتكشف هذه الواقعة، بحسب مراقبين، عن حقيقة أن الفساد الذي أحاط بمشروع إعادة بناء الدولة العراقية يقف حائلا دون التقدم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح. فبعد عمليات الفساد الهائلة التي صارت بمثابة سياق طبيعي لعمل المؤسسات العراقية، فإن المسافة بين العراقيين وأمل ولادة الدولة من جديد صارت تتسع.
وهناك اليوم سباق محموم بين الأحزاب الحاكمة من أجل الاستيلاء على الغنائم وهو ما فتح الباب واسعا أمام المتنفذين للاستيلاء على الأجزاء الحيوية من الدولة التي تحولت إلى مصادر للإثراء من خلال ما توفره من صفقات. ولذلك فإن فشل المشروع الاستخباري يمكن اعتباره نتيجة طبيعية لنجاح الصفقة من جهة تعدد الأطراف المستفيدة منها.
وتم إنفاق أكثر من تريليون دولار أميركي منذ عام 2003 حتى اليوم على مشاريع ظلت مخططاتها الأولية حبيسة الورق. فما من شيء رأى النور، بما في ذلك مشاريع عقدت من أجلها مؤتمرات كبيرة كما هو حال مبنى رئاسة الوزراء. ومقابل ذلك الورق دفع العراق ثمن المباني كما لو أنها صارت جاهزة للاستعمال على الأرض.
ويذكر العراقيون باستمرار فضيحة حدثت سنة 2009 تتعلّق بإرسال بعثة من الطلاب إلى لندن بهدف تكوينهم في المجال الاستخباري.
ففي تلك السنة وقّعت وزارة الداخلية العراقية عقدا مع كلية استخبارات الشرطة في لندن لتدريب طلاب عراقيين على العمل الاستخباري واكتشاف الجريمة قبل وقوعها. وكان من شروط العقد أن يكون الطالب ذا معرفة أولية باللغة الإنكليزية حتى يفهم الدروس في الكلية.
وبعد أن تبيّن أن المبتعثين شبه أميين وتم اختيارهم عن طريق المحسوبية وعلى سبيل المجاملة تم تنظيم دورة تكوين في الإنكليزية لهم. ومع ذلك رسبوا جميعا في نهاية السنة الأولى، وألغيت البعثة وعاد بعض أفرادها إلى العراق، وبقي البعض الآخر في لندن.
ويجني العراقيون بشكل شبه يومي نتائج هذه الفوضى في مؤسسات الدولة العراقية. فرغم الميزانيات الضخمة والمقدّرات البشرية الكبيرة المرصودة للقطاع الأمني، ورغم كثافة الرقابة على مداخل المدن الكبرى ومحاورها الرئيسية، يسقط بشكل شبه يومي قتلى وجرحى في تفجيرات بسيارات مفخّخة وانتحاريين ينجحون دائما في تجاوز النقاط الأمنية رغم كثافتها وشدّة إجراءاتها.
واخترق القراصنة موقع وزارتي البلديات والشباب والرياضة ودائرة توزيع الطاقة، إضافة إلى موقع جهاز الأمن الوطني نفسه الذي يرأسه فالح الفياض، حيث وضعت على الموقع الأخير لافتة حداد بالأسود وصورة لأحد التفجيرات في العراق.
وكتب المخترقون على الصفحات الرئيسة لتلك المواقع “سوف تكون هذه البداية”، متوعدين باختراق مواقع أخرى انتقاما للقبض على زميلهم حسين مهدي.
وكان جهاز الأمن الوطني قد أعلن الخميس عن إلقاء القبض على مهدي بسبب اختراقه الموقع الإلكتروني للجهاز على شبكة الإنترنت.
وقال الجهاز في بيان مقتضب له إنه “ألقى القبض على المتهم الذي اخترق موقعه الإلكتروني ومواقع رسمية أخرى بعد أقل من 24 ساعة من قيامه بعملية الاختراق”، مشيرا إلى “إحالة المتهم إلى الجهات القضائية”.
وكان حسين مهدي قد ترك رسالة باسمه عند اختراق موقع جهاز الأمن الوطني الثلاثاء الماضي، كتب فيها أنه حذر الجهاز من إمكانية اختراق موقعه قبل شهرين لكن من دون جدوى.
كما كتب أنه تمكن من الحصول على أكثر من 6 آلاف كتاب رسمي يحمل صفة السرية من مراسلات الجهاز إلى مديرياته في المحافظات العراقية.
وتهكم مهدي أيضا في رسالته على الإجراءات المتخذة من قبل الجهاز في مواجهة الهجمات المتكررة في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى.
وجاء اختراق موقع الجهاز بعد ساعات من وقوع تفجيرين عنيفين في وسط العاصمة بغداد أوقعا العشرات من القتلى والجرحى في تكرار لهجمات دموية منذ سنوات طويلة.