سياسةصحافة واعلام
ولاية خامسة لرياض سلامة مقابل إقرار قانون النسبية
بيروت – نجحت مجددا التخريجات التي ابتكرها الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري في ضبط إيقاع التوتر الذي كان يهدد المسار الحكومي على خافية الموقف من مقررات قمة الرياض. وكان وزراء حزب الله يستعدون لطرح الموقف من إدانة الحزب الذي خرجت به القمة الإسلامية الخليجية على طاولة التداول الحكومي والمطالبة بالإعلان عن موقف واضح ومباشر من هذا الموضوع.
وبدا أن مجرد طرح الموضوع سيفجر أزمة مفتوحة لكن تم ضبط إيقاع التصعيد من خلال التأكيد الثنائي لرئيسي الدولة والحكومة على أنّ موقف لبنان من قمة الرياض ومن غيرها محدد سلفا في خطاب القسم وفي البيان الوزاري الذي نالت الحكومة الثقة على أساسه. وأشاع هذا الإعلان جوّا من الارتياح نتج عنه التوافق على التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لست سنوات.
تموضعات جديدة
احتدم في الفترة الأخيرة السجال حول القانون الانتخابي حيث سجلت مواقف لافتة كانت أبرزها تراجع الرئيس ميشال عون عن رفضه المطلق للسير في قانون الستين، وإعلانه عن استعداده للقبول به في حال لم يتم التوافق على قانون جديد خلال الفترة المتبقية من عمر المجلس النيابي الذي تنتهي ولايته في 20 يونيو المقبل.
وكان لافتا أن حزب الله عبّر عن استمراره في طرح قانون النسبية الكاملة في حين جدّد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التأكيد على إمكانية التوصل إلى التوافق حول قانون جديد. وبينما ارتفع عنوان النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية بدا أن هذا العنوان لا يحمل المعنى نفسه عند جميع القوى السياسية.
وتتخذ صيغة تثبيت المعادلات القائمة عند حزب الله معنى التسليم بواقع إمساكه بزمام السلطة الفعلية في البلد.
وينظر تيار المستقبل إليها بوصفها تؤمن له تثبيت موقعه الحالي دون أيّ خسارة، في حين أن الأمر ليس نفسه في ما يخص موقع القوى المسيحية التي تعتبر أن المعادلات القائمة تنطوي على إيقاع ظالم لها وبتمثيلها.
وقرأت التحليلات السهولة الكبيرة التي اُنجز فيها التجديد لسلامة الذي كان مرفوضا من قبل الرئيس عون وحزب الله بوصفه تمهيدا لنشوء واقع جديد.
وتتجلى عناصر هذا الواقع في ليونة الحزب في التعامل مع موضوع العقوبات وتأثيرها، من خلال وضع حاكم المصرف المتمتع بعلاقات ممتازة مع الأميركيين الذين يديرون معركة شرسة ضده على رأس الإدارة المالية في لبنان.
خارطة التحالفات والصراعات الجديدة ترتسم بشكل لا يبدو فيه التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر هو الأقوى
ولا يغيب احتمال المقايضة عن التفسيرات المواكبة لإقرار عملية التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إذ يتم إدارج الموضوع في إطار صفقة يتم من خلالها مقايضة تمرير التجديد بالتوافق على إقرار قانون انتخاب على أساس النسبية الكاملة مع تعديلات في حجم الدوائر.
وكان النقاش انحصر في قانون النسبية في الآونة الأخيرة، وأبدت جلّ القوى السياسية ميلا إلى التوافق حوله، في حين ظهر الارتباك في صفوف التيار الوطني الحر الذي كان قد أبدى حرصا على لعب ثنائية المواقف بين رئيس الدولة ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وكان ميشال عون أعلن مرارا موافقته على طرح النسبية، ثم عاد وتطابق في مواقفه مع طروحات جبران باسيل في ما يخص الموقف من القانون التأهيلي، قبل أن يعود ليعلن تطابقه مع موقف حزب الله لناحية رفض حصول فراغ في المجلس النيابي بأيّ شكل من الأشكال، والحرص على إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ في حال لم يتم التوصل إلى إقرار قانون جديد.
وعمل الحزب مؤخرا على تحميل رئاسة الجمهورية المسؤولية عن ما أسماه تجرع “كأس الستين” في مناورة فسرت على أنها تهدف إلى الدفع في اتجاه تسريع التوافق على أحد صيغ قانون النسبية الكاملة.
تهديد الحضور المسيحي
يكشف المناخ الذي ساد بعد قمة الرياض عن استياء كبير في صفوف حزب الله من ردّة فعل وزير الخارجية جبران باسيل، الذي أعلن إثر عودته إلى بيروت بعد مشاركته في القمة أنه لم يكن على علم بأن هناك بيانا سيصدر عنها ولا بالمواقف التي عبّر عنها البيان.
ونظر الحزب إلى إعلان باسيل بسلبية كبيرة. وشنّ مناصروه حملة شرسة ضد الحليف الذي قصّر في واجب الدفاع عن الحزب، معتبرين أنه من غير المعقول أن يكون وزير خارجية لبنان لا يعلم أن بيانا سيصدر، وأن قمة بحجم قمة الرياض ستنهي أعمالها دون صدور بيان. وعمل الحزب على توظيف الأزمة واستعملها كوسيلة للضغط على رئيس الجمهورية ووزير الخارجية.
وكانت الحصيلة وفق محللين هي مواقف الرئيس المتماهية تماما مع مواقف حزب الله بخصوص الفراغ، كما يرجّح أن يكون الحزب قد نجح في أن ينتزع من التيار الوطني الحر موافقة غير معلنة على السير في قانون النسبية. وترتسم خارطة التحالفات والصراعات الجديدة بشكل لا يبدو فيه التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر هو التحالف الأقوى والأكثر قدرة على أن يترجم نفسه في أيّ انتخابات نيابية قادمة.
يتصرّف حزب الله مع التيار الوطني الحر خصوصا ومع الثنائية المسيحية عموما بوصفه صاحب حقوق المسيحيين وحاميها. ويعتبر أن هذا الملف قد اُنجز مع رئاسة الجنرال. وينظر إلى عناوين حقوق المسيحيين وصحة تمثيل المسيحيين بوصفها مهاترات يراد منها استغلال فائض كرمه للحصول على أكبر قدر من الحصص النيابية.
ويشير تعامل الحزب مع هذا الموضوع إلى أنه يسعى إلى الإمساك بمفاصل القرار المسيحي من ناحية منع الثنائية من التحكم بكتلة نيابية كبيرة في أيّ قانون انتخابي، وفصل حلفه مع التيار الوطني الحر عن علاقته مع القوات، إضافة إلى إصراره على حصول القوى السياسية الأخرى الخارجة عن فلك الثنائية على حصة وازنة.
تناغم حزب الله والمستقبل
ما يظهر على السطح ويبدو منسجما مع واقع الصراع الكبير المندلع في المنطقة يعلن أن التناغم الموضوعي القائم الآن هو بين حزب الله وتيار المستقبل.
ويمكن الاستشهاد على واقع نشوء تفاهم موضوعي بين حزب الله وتيار المستقبل من خلال مقارنة المواقف التي صدرت عن باسيل الذي رفع حجة “لو كنت أعلم”، وبين المواقف الصادرة عن تيار المستقبل والتي استبقت جوّ التصعيد المتوقع للقمة بالإعلان عن الرفض التام للنظر إلى حزب الله بوصفه حزبا إرهابيا.
لا يعني الحلف بين حزب الله وتيار المستقبل الذي تفرضه اللحظة اللبنانية الحالية أن الأمور بين الطرفين ذاهبة في اتجاه تكامل وتوافق
وبينما ساد في الآونة الأخيرة انطباع بنشوء حلف بارز بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل لمواجهة حزب الله، ظهر أن هذا الحلف لم يكن سوى مناورة مشتركة يحاول كل طرف فيها انتزاع مكاسب من حزب الله. وسرعان ما انجلى غبار هذه المناورة كاشفا عن عدم قدرة التيار الوطني الحر على اللعب مع حزب الله بأيّ شكل من الأشكال، وعلى عودته السريعة إلى اعتماد منطق استرضاء الحزب في حين بدا أن تيار المستقبل قادر على المناورة مع الحزب، وعلى التوصّل معه إلى صيغة مصالح مشتركة واسعة ضمن منطق “ربط النزاع″ التي يصف بها التيار علاقته بالحزب في الآونة الأخيرة.
ويشكل ملف النازحين السوريين العنوان الأبرز لمنطق التناغم الجديد حيث أنّ من مصلحة الحزب التوصل إلى حل لهذه المشكلة الكبرى التي تهدّد حضوره الديمغرافي والأمني، كما أن تيار المستقبل لا يمكنه السير في مشاريعه وتنفيذ رؤيته الاقتصادية وتمكين وضعه في لبنان في ظل هذه الأزمة المحتدمة.
وتشكل المعلومات الواردة عن شروع الحكومة في فتح قنوات تفاهم مع النظام السوري للتوافق حول الشروع في عودة النازحين السوريين إلى المناطق التي باتت آمنة، أحد العناوين البارزة التي تؤكد على وجود نوع من المصالح المشتركة بين الحزب وتيار المستقبل.
وتذكر البعض من التحليلات أن حزب الله لم ينس على الإطلاق المواقف التي كان الجنرال عون قد اتخذها سابقا، وخصوصا لناحية تأكيده في العديد من المفاصل الأساسية أنه والد القرار 1559 الذي يدعو إلى سحب سلاح الحزب. وأعاد الموقف الصادر عن قمة الرياض التذكير بهذا القرار.
ولا يعني الحلف بين حزب الله وتيار المستقبل الذي تفرضه اللحظة اللبنانية الحالية أن الأمور بين الطرفين ذاهبة في اتجاه تكامل وتوافق، بل لا يعدو الأمر كونه تعبيرا عن المنطق الذي ارتضاه الخارج لإدارة الصراع في الداخل اللبناني في هذه اللحظة. وتقتضي ضرورات الصراع الضبط العام ومحاولة انتزاع أكبر قدر من الحضور داخل تركيبة السلطة وأن يحافظ كل طرف على جمهوره وعلى مكاسبه.
وتتركب عناصر المعادلة بشكل يتيح لحزب الله أن يكون في واجهة مشهد السلطة اللبنانية بحيث لا يمكن تهديده دون تعريض البلد كله لمخاطر شديدة، وأن يتاح لتيار المستقبل الحفاظ على ساحته وتفعيل حضوره الاقتصادي والإعلامي.
والخلاصة التي يمكن التوصل إليها تقول بوضوح إن الحضور في الساحة اللبنانية غير متاح سوى للأطراف المرتبطة بالمحاور المتحاربة، ما يعني أن المرحلة القادمة في لبنان ستشهد خلخلة كبرى في الحضور المسيحي، وانحسارا في تأثير التيارات المدنية ونموا كبيرا في الخطاب الطائفي.